وما عسى أن أقول في وصف قوم حنيت جوانحهم على بغض الوصيّ وعترته ، وبنيت جوارحهم على إنزال الأذى بمواليه وشيعته : يسلقون المؤمنين بألسنة حداد ، ويقصدون الصالحين بالبغي في كلّ ناد ، ويتشادقون (١) بغيبتهم في محاضرهم ومجامعهم ، ويعلنون بسبّهم عقيب جمعهم في جوامعهم ، يعدّون يوم عاشوراء من أعظم أعيادهم وزينتهم ، ويسمّونه فجوراً رأس سنتهم ، ويعتقدون طبخ الحبوب تلك الليلة من أعظم سنتهم ، والمصافحة بالأكفّ المخضوبة في ذلك اليوم من أفضل طريقهم وسنتهم ، ويتهادون بالتحف والهدايا في المنازل ، ويتباركون بإذخار الأدوية والأشربة من ذلك اليوم إلى قابل ، ويقصدون بالأذى من بكى فيه على آل الرسول ، ويتجسّسون على من جلس لتعزية الطاهرة البتول.
وليس ذلك بعجيب من نفاقهم ، ولا بغريب من شقاقهم ، فقد ارتضعوا بغض الامام الوصيّ من أخلاف (٢) اخلافهم ، واُشربوا هجر آل النبيّ من آبائهم وأسلافهم ، أغصان الشجرة الملعونة في القرآن ، وأفنان (٣) دوحة البغي والعدوان ، الذين أعلنوا بسبّ الله ورسوله على منابرهم ، ودلّ قبح ظاهرهم على خبث سرائرهم ، كم أظهروا الفساد في البلاد وأشهروا العناد في العباد؟ وزيّن الشيطان للناس اتّباعهم ، وصيّر علماءهم أشياعهم وأتباعهم ، فبذلوا لهم
__________________
١ ـ المتَشَدّقون : المتوسّعون في الكلام من غير احتياط واحتراز ، وقيل : المتشدّق : المستهزئ بالناس يلوي شِدقه بهم وعليهم. « لسان العرب : ١٠ / ١٧٣ ـ شدق ـ ».
٢ ـ الأخلاف : جمع خِلف ـ بالكسر ـ وهو الضرع لكلّ ذات خُفّ وظِلفٍ. « لسان العرب : ٩ / ٩٢ ـ خلف ـ ».
ومراده أنّهم ارتضعوا بغض الامام من آبائهم الماضين.
٣ ـ الفَنَنُ : الغُصنُ ، وقيل : الغُصنُ القضيب يعني المقضوب ، والفَنَنُ : ما تشعّب منه ، والجمع أفنان : « لسان العرب : ١٣ / ٣٢٧ ـ فنن ـ ».
والدّوحة : الشجرة العظيمة المتّسعة.