وخاب مطلبها.
فيالها فتنة كفر قتامها لراكبها ، وغمر غمامها كتائبها ، وبرقت بوارق صفاحها في سحائب غبرتها ، ولمعت أسنّة رماحها في ظلمة فترتها ، فكم اقتطفت فيها رؤوس ، واختطفت نفوس ، واُريق دم ، وبري قدم ، واُبين عضد وساعد ، واُبيد معاضد ومساعد ، أشنع فتنة في الاسلام حدثت ، وأفضع واقعة بها القصاص تحدّثت ، قطعت آجال رجالها بمصاعها ، وصبغت أثباج أبطالها بجريانها.
يالها فتنة كانت رأساً لكلّ فتنة ، وبدعة وضعت أساساً لأقبح سنّة ، وهل قتال القاسطين إلا فرع شجرتها؟ وهل جهاد المارقين إلا شزرة من جمرتها؟ وهل اقتدى ابن حرب إلا بحربها؟ وهل اغترف نجل هند إلا من شربها؟ وهل نسج الطاغي إلا على منوالها؟ وهل احتذى الباغي إلا بمثالها؟
وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه أثر جلاها ، وطلا عثناياها ، وفحل شولها ، وصاحب قولها ، وخائض هولها ، والمخصوص بقوّتها وحولها ، كبش الكتيبة ، مشهور الضريبة ، جبر صدع الاسلام ، لمّا كسر الأصنام ، ونصب من الحقّ الأعلام ، لمّا خفض الأنصاب والأزلام ، كم كسر بعامله منصوباً؟ وكم وفّر من نائله نصيباً؟ كاسر هبل الكفرة ، وعاقر جمل الغدرة ، الفائز من قداح النجدة بمعلّاها ، والحائز من خلال الشجاعة بأعلاها ، قاطع أمراس (١) البغاة ، وقالع أساس الطغاة ، منه تعلّم الناس الشجاعة في قتالهم ، ومن علومه فرّعوا مآخذ أقوالهم.
بنصرته جماعة الحقّ نصرت ، وبطريقه طريقة العلم ظهرت ، لمّا صبغ
__________________
١ ـ المَرِس : الشديد الذي مارَسَ الامور وجرّبها : والجمع : أمراس.