ثمّ انّ الله سبحانه ابتلاه كما ذكر في محكم كتابه بالكلمات التي أتمّها ، والمحن التي احتملها ، ووفّى بها حتى أثنى الله سبحانه عليه في كتابه بقوله : ( وَإبرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) (١) والابتلاء هو الاختبار ، وسمّي ذلك اختباراً لأنّ ما يستعمله الانسان ينافي مثل ذلك (٢) يجري على جهة الاختبار والامتحان فأجرى سبحانه على أمره اسم اُمور العباد على طريق الاتّساع ، وحقيقة الابتلاء تشديد التكليف.
ووجه آخر هو انّ الابتلاء على ضربين ؛ أحدهما يستحيل عليه سبحانه ، والآخر جائز ، فالمستحيل هو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيّام عنه وهذا لا يصحّ عليه سبحانه ، لأنّه علّام الغيوب ، والآخر أن يبتليه حتى يصبر على ما يبتليه فيكون ما يعطيه على سبيل الاستحقاق ، ولينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حكمة الله سبحانه انّه لم يكل (٣) أسباب الامامة الا إلى الكافي المستقلّ بها الذي كشفت الأيّام عنه ، وممّا ابتلاه في نفسه ما ذكرناه أوّلاً وفي أهله حين خلص الله حرمته من عبادة القبطي ، ثم في ولده حين اُمر بذبح ولده في قوله : ( إنّي أرَى فِي المَنامِ أنّي أذبَحُكَ ) (٤). (٥)
روى محمد بن إسحاق بن يسار (٦) أنّ إبراهيم عليهالسلام كان إذا أراد إسماعيل وهاجر حمل على البراق ، فيغدو من الشام ويقيل بمكّة ، ويروح من
__________________
١ ـ سورة النجم : ٣٧.
٢ ـ في المجمع : لأنّ ما يستعمل الأمر منّا في مثل ذلك.
٣ ـ كذا في الخصال ، وفي الاصل : يكمل ، وفي المجمع : تكن.
٤ ـ سورة الصافّات : ١٠٢.
٥ ـ الخصال : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ح ٨ ، عنه البحار : ١٧ / ٦٦ ـ ٦٧.
وانظر مجمع البيان : ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠١.
٦ ـ كذا في المجمع ، وفي الأصل : محمد بن إبراهيم بن بشّار.