ليلبسوا على أبيهم ، وإنّما أظهروا البكاء ليوهموا أنّهم صادقون ، وفي هذا دلالة على أنّ البكاء لا يوجب صدق دعوى الباكي في دعواه.
ولمّا سمع يعقوب بكاءهم وصياحهم فزع وقال : ما لكم؟
فقالوا : ( يَا أَبَانَا ذَهَبنَا نَستَبِقُ ـ على الأقدام ؛ وقيل : ننتصل (١) ونترامى فننظر أيّ السهام أسبق ـ وَتَرَكنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئبُ وَمَا أنتَ بِمُؤمِنٍ لَنَا ـ أي مصدّق ـ وَلَو كُنَّا صَادِقِينَ ) (٢). وأظهروا ليعقوب قميص يوسف ملطّخاً بالدم ، وقالوا : هذا دم يوسف حين أكله الذئب ؛ قيل : إنّهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على القميص ولم يمزّقوا الثوب ، ولم يخطر ببالهم انّ الذئب إذا أكل إنساناً يمزّق ثوبه ؛ وقيل : إنّ يعقوب قال : أروني القميص ، فأروه إيّاه ، فلمّا رآه صحيحاً قال : يا بنيّ ، ما رأيت ذئباً أحلم من هذا الذئب! أكل ابني ولم يخرق قميصه.
وقيل : إنّه لمّا قال لهم يعقوب ذلك ، قالوا : بل قتله اللصوص.
فقال عليهالسلام : فكيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إليه أحوج من قتله؟ ( بَل سَوَّلََََََََََََََََََََتْ لَكُمْ أنفُسُكُمْ أمراً ـ أي زيّنت لكم ـ فَصَبرٌ جَمِيلٌ ) (٣) أي صبري صبر جميل لا أشكو إلى الناس.
وقيل : إنّما يكون الصبر جميلاً إذا قصد به وجه الله تعالى ، وفعل للوجه الذي وجب.
وقيل : إنّ البلاء نزل على يعقوب في كبره ، وعلى يوسف في صغره بلا
__________________
١ ـ كذا في المجمع ، وفي الأصل : نتناصل.
٢ ـ سورة يوسف : ١٧.
٣ ـ سورة يوسف : ١٨.