وفتاها الذي هو فى بيتها وتحت كنفها ، وذلك أقبح لوقوعها منها ، وهى السيدة وهو المملوك وهو التابع وهى المتبوعة ، وقد جرت العادة بأن نفوس النسوة تعزف عن مثل هذه الدناءة ولا ترضى لنفسها بهذه الذلة التي تشعر بالمساواة لا بالسيادة ، وبالضعة لا بالعظمة ولله فى خلقه شئون.
وقد تضمن وصف النسوة لها بهذا الوصف أنها لم تقتصد فى حبها ولا فى طلبها.
أما الأولى فقولهن فيها : «قَدْ شَغَفَها حُبًّا» أي قد وصل حبه إلى شغاف قلبها (الغشاء المحيط به) وغاض فى سويدائه كما قال شاعرهم :
الله يعلم أن حبّك منّى |
|
فى سواد الفؤاد وسط الشغاف |
وأما الثاني فقولهن : «تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ».
فلما سمعت بهذا المكر القولى قابلتهن عليه بمكر فعلىّ فقد جمعتهن وأخرجته عليهن ، فلم يشعرن إلا وأحسن خلق الله قد طلع عليهن بغتة ، فراعهن ذلك الحسن الفتّان ، وفى أيديهن مدى يقطعن بها مما يأكلنه فقطّعن أيديهن وهن لا يشعرن بما فعلن مأخوذات بذلك الحسن كما جاء فى قوله سبحانه : «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ، وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ».
فلما هددته بالسجن والإذلال بعد أن هتك سترها وكاشفت النسوة فى أمرها وتواطأن معها على كيدها ـ آثر عليه السلام الاعتقال فى السجن على ما يدعونه إليه من الفحش والخنا : «قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ. فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».