ظاهرا لهم من قبل ـ بعد أن رأوا من الآيات ما اختبروه بأنفسهم وشهدوه بأعينهم ، مما يدل على أن يوسف لم يكن إنسانا كالذين عرفوا في أخلاقه وعفته واحتقاره للشهوات واللذات التي يتمتع بها سكان القصور ، وفى إيمانه بأن ربه لن يتركه بل يكلؤه بعين عنايته ، ويحرسه بوافر رعايته ، وقد استبان لهم ذلك من وجوه :
(١) إن افتنان سيدته فى مراودته وجذبها خلسات نظره لم تؤثر فى ميل قلبه إليها ، بل ظل معرضا عنها متحاهلا لها حتى إذا ما صارحته بما تريد استعاذ بربه ورب آبائه ، وعيّرها بالخيانة لزوجها.
(٢) إنها لما غضبت وهمت بالبطش به هم بمقاومتها والبطش بها ، ولم يمنعه إلا ما رأى فى دخيلة نفسه من برهان ربه الذي يدل على أن ربه صارف عنه السوء والفحشاء.
(٣) إنها حين اتهمته بالتعدي عليها شهد شاهد من أهلها أنها كاذبة فى اتهامها إياه وهو صادق فيما ادعاه من مراودتها إياه عن نفسه بدلالة القميص على ذلك.
كل هذا أثبت لهم أن بقاءه فى هذه الدار بين ربتها وصديقاتها مثار فتنة لا تدرك غايتها ، وأن الحكمة هو تنفيذ رأيها الأول بسجنه لإخفاء ذكره وكف ألسنة الناس عنها فى أمره ، وأقسموا ليسجننه حتى حين دون نقيد بزمن معين ليروا ماذا يكون فيه من تأثير السجن وحديث الناس عنه.
وفى تنفيذ هذا العزم دلالة على ما كان لهذه المرأة الماكرة من سلطان على زوجها تقوده كيف شاءت ، حتى فقد الغيرة عليها ، فهو يجرى وراء هواها ، ويستجلب رضاها ، حتى أنساه ذلك ما رأى من الآيات وعمل برأيها فى سجنه لإلحاق الهوان والصغار به حين أيست من طاعته وطمعت فى أن يذلله السجن لأمرها ويقف به عند مشيئتها.