المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه مآل من كان يريد الدنيا وزينتها ولا يهتمّ بالآخرة وأعمالها ـ قفى على ذلك بذكر من كان يريد الآخرة ويعمل لها ، وكان على بينة من ربه فى كل ما يعمل ومعه شاهد يدل على صدقه ، وهو القرآن ، ومآل من أنكر صحته وكفر به.
الإيضاح
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) أي أفمن كان على نور وبصيرة فى دينه ويؤيده نور غيبى يشهد بصحته وهو القرآن المشرق النور والهدى ، ويؤيده شاهد آخر جاء من قبله. وهو الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام حال كونه إماما متّبعا فى الهدى والتشريع ، ورحمة لمن آمن وعمل به من بنى إسرائيل (وشهادة موسى لهذا النبي الكريم شهادة مقال بالبشارة بنبوته ، وشهادة حال وهى التشابه بين رسالتيهما) ـ أي أفمن كان على هذه الأوصاف كمن يريد الحياة الفانية وزينتها الموقوتة ، ويظل محروما من الحياة العقلية والروحية التي توصل إلى سعادة الآخرة الباقية.
ونحو الآية قوله : «أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ» وإجمال المعنى ـ أفمن كان كامل الفطرة والعقل ، وعرف حقيقة الوحى وهو القرآن وما فيه من نور وهداية ، وعرف تأييده بالوحى السابق الذي اهتدى به بنو إسرائيل ، فتظاهرت لديه الحجج الثلاث فى الهداية (كمال الفطرة ، ونور القرآن والوحى الذي أنزل على موسى) كمن حرم من ذلك وكان همه مقصورا على الحياة الفانية ولذاتها.
(أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي أولئك الذين جمعوا بين البينة الوهبية ، والبينة الكسبية النقلية ، يؤمنون بهذا القرآن إيمان يقين وإذعان ، على علم بما فيه من الهدى والفرقان ، فيجزمون بأنه ليس بالمفترى من دون الله ولم يكن من شأنه أن يكون كذلك.