ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩))
المعنى الجملي
بعد أن ذكر العبرة فى إهلاك الأمم الظالمة فى الدنيا ـ ذكر هنا العبرة بجزاء الآخرة للأشقياء والسعداء ، فالألون يصلون النار التي لهم فيها شهيق وزفير ، والآخرون يمتعون بالجنة التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وهم فيها خالدون.
الإيضاح
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) أي إن فيما قصه الله من إهلاك أولئك الأمم وبيان سنته فى عاقبة الظالمين ، لحجة بيّنة وعبرة ظاهرة لمن يخاف عذاب الآخرة يعتبر بها فيتقى الظلم فى الدنيا على سائر ضروبه ، إذ يعلم أن من عذّب الظالمين فى الدنيا قادر أن يعذبهم فى الآخرة ، وأن ما حاق بهم فى دار الفناء ، أنموذج لما يكون لهم فى دار البقاء.
والماديون فى هذا العصر وفى عصور سابقة كما حكاه البيضاوي عن بعض أهل عصره يقولون : إن الطوفان والصاعقة وخسف الأرض كل أولئك قد حدث بأسباب طبيعية لا بإرادة الله واختياره لتربية الأمم ـ ويكفى فى الرد عليهم أن يقال : إن حدوث هذه الأشياء وغيرها بالأسباب الموافقة لسنن الله فى نظام العالم هو المراد بالقضاء والقدر فى القرآن الكريم ، والله تعالى أحدث هذه الأسباب فى أوقات معينة بحكمته لعقاب تلك الأمم بها ، ولم تكن من قبيل المصادفات.
والدليل على ذلك أن أولئك الرسل أنذروا أقوامهم بحدوثها قبل أن لم تكن ، ومنهم من ذكر وقتها على سبيل التعيين والتحديد ، وهكذا يفعل الله بالظالمين فى كل