وإنهم ولا شك بمعزل عن ذلك ـ والمشركين وإن لم يقولوا ذلك صريحا ، فما ادّعوه لها من الألوهية يستدعى ثبوت إحياء الموتى لها ، لأنه من خصائصها.
ووصف الآلهة بكونها من الأرض ـ للإشارة إلى أنها من الأصنام التي تعبد فيها ، وللإيماء إلى ضعة شأنها ، وحقارة أمرها.
ثم أقام الدليل العقلي على التوحيد ونفى أن يكون هناك إله غير الله فقال :
(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) أي لو كان فى السموات والأرض إله غير الله لخريتا وهلك من فيهما ـ ذاك أنه لو كان فيهما إلهان فإما أن يختلفا أو يتفقا فى التصرف فى الكون ، والأول ظاهر البطلان ، لأنه إما أن ينفذ مرادهما معا فيريد أحدهما الإيجاد والثاني لا يريده فيثبت الوجود والعدم لشىء اختلفا فيه ، وأما أن ينفذ مراد أحدهما دون الثاني ، فيكون هذا مغلول اليد عاجزا ، والإله لا يكون كذلك ، والثاني باطل أيضا ، لأنهما إذا أوجداه معا وجب توارد الخلق من خالقين على مخلوق واحد.
ولما أثبت بالدليل أن المدبر للسموات والأرض لا يكون إلا واحدا ، وأن ذلك الواحد لا يكون إلا الله قال :
(فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي فتنزيها لله رب العرش المحيط بهذا الكون ومركز تدبير العالم عما يقول هؤلاء المشركون من أن له ولدا أو شريكا.
ثم أكد هذا التنزيه بقوله :
(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) أي هو الحاكم الذي لا معقّب لحكمه ، ولا يعترض عليه أحد ، لعظمته وجلاله ، وعلمه وحكمته ، وعدله ولطفه ، وهو سائل خلقه عما يعملون كما قال : «فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ» وقال : «وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ».