المعنى الجملي
بعد أن ذكر أحوال كل من الكافرين والمؤمنين فى الآخرة ـ ذكر أن الدنيا ليست كالآخرة ، فلا يرثها إلا من كان قادرا على إصلاحها ، والانتفاع بخيراتها ، والاستفادة مما على ظاهرها وباطنها ، فمن كان أحصف رأيا ، وأحكم فكرا ، ملكها وتسلط عليها ، وجنى ثمارها واهتدى إلى ما أودع فيها من الخير.
ثم بين أن ما أوحى إلى الرسول من الشرائع وضروب الهداية كاف جدّ الكفاية لمن يعتبر بسنن الله فى الكون ، فيستفيد منها ما ينفعه فى دينه ودنياه ، فجميع ما جاء به الوحى من المواعظ وأحكام الشرائع هداية وذكرى لو تدبرها المتدبرون ، وتأملها المنصفون.
الإيضاح
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) أي ولقد كتب الله عنده ، وأثبت فى قديم علمه الأزلى الذي لا ينسى ، ثم أثبت فى الكتب السماوية من بعد ذلك أن الأرض لا يعمرها من عباده إلا من يصلح لعمارتها من أي دين كان وأىّ مذهب انتجل.
وصلاح الأمة يقوم على أربعة عمد :
(١) أن يكون قادتها علماء مفكرين ، وساستها حكماء عادلين ، بعيدين عن الجور والظلم والمحاباة ، يأخذون بيد المظلوم وينصفونه من الظالم ، ويعملون لخير الأمة وسعادتها ، ويواصلون ليلهم بنهارهم فى كل ما يرفع من شأنها ، ويسمو بها على الأمم.
(٢) أن يكون لها جيش منظم يحمى حريمها ، ويدافع عنها إذا جدّ الجدّ ، وادلّهم الخطب ، ولن يكون كذلك إلا إذا كان فيه المهندسون والمخترعون والقادة البارعون ، ولديه من السلاح وعدد الحرب ما يكشف عنه العلم من وسائل الدفاع ، من