ثم أعاد الإنكار مرة أخرى استفظاعا لشأنهم ، واستعظاما لكفرهم ، وإظهارا لجهلهم فقال : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أي أبعد هذه الأدلة التي ظهرت تقولون : إن لله شركاء؟.
ثم أمرهم بإقامة الدليل على صحة ما يدّعون فقال :
(قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي بعد أن ثبت أنه لا إله غيره ، فهاتوا برهانكم على صحة اتخاذ الآلهة من الأصنام والأوثان ، ولا سبيل إلى ذلك ، لا بالدليل العقلي ، لأنه مر بطلانه ، ولا بالدليل النقلى ، لأن الكتب السماوية جميعا متفقة على هذا ، وإلى ذلك أشار بقوله :
(هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) أي هذا هو الكتاب المنزل على من معى ، وهذه هى الكتب المنزلة على من تقدمنى من الأنبياء كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى ، انظروا فيها هل تجدون إلا الأمر بالتوحيد والنهى عن الإشراك.
قال الزجاج : قيل لهم : هاتوا برهانكم بأن رسولا من الرسل أنبأ أمته بأن لهم إلها غير الله ، فهل فى ذكر من معى وذكر من قبلى إلا توحيد الله؟.
وفى هذا تبكيت لهم متضمن إثبات نقيض مدّعاهم ، وإذا فليس لهم إلا العجز مركبا.
ولما كانوا لا يجدون لهم شبهة فضلا عن حجة ، ذمهم على جهلهم بمواضع الحق فقال :
(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ) أي بل أكثر هؤلاء لا يميزون بين الحق والباطل ، فلا تؤثّر فيهم الحجة والبرهان ولا يقتنعون به.
ثم ذكر أن هذا كان سببا فى إعراضهم وتجافيهم عن سماع الحق فقال :
(فَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي فهم لأجل هذا الجهل المستولى على أكثرهم أعرضوا عن