(أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي تبّا لكم وقبحا لمعبوداتكم التي اتخذتموها من دون الله.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ؟) أي أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الذي لا يروج إلا على جاهل فاجر ، وأنتم الشيوخ الذين بلوا الزمان حلوه ومرّه ، وحنّكتهم تجارب الأيام ، فمن حقكم أن تعاودوا الرأى وتقلّبوه ظهرا لبطن ، لعلكم ترشدون بعد الضلال ، وتهتدون بعد الغىّ والعمى.
ولما بان عجزهم وحصحص الحق لجئوا إلى الغلظة واستعمال القسوة ، وذلك ما أشار إليه بقوله :
(قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) أي قال بعضهم لبعض : حرّقوا إبراهيم بالنار ، وانصروا آلهتكم إن كنتم ناصريها ، ولا تريدون خذلانها وترك عبادتها.
ثم أبان سبحانه أنه أبطل كيدهم ودفع عنه هلاكا محققا بمعونته وتأييده فقال :
(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) أي فأوقدوا له نارا ليحرّقوه ثم ألقوه فيها فقلنا للنار : يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم أي ابردى بردا غير ضارّ به.
روى أبو هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : «لما ألقى إبراهيم فى النار قال : اللهم إنك فى السماء واحد ، وأنا فى الأرض واحد أعبدك».
(وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) أي وأرادوا بإبراهيم مكرا لإيصال الأذى به ، فجعلناهم من ذوى الخسران والوبال ، إذ صار سعيهم فى إطفاء نور الحق قولا وفعلا ـ برهانا على أنه عليه السلام على الحق وهم على الباطل ، وأنهم استحقوا أشد العذاب.
وفى هذا القصص من العبرة ـ أن الجهاد لنصرة الحق والفضيلة فيه الخير كل الخير ، وأنه مهما صادف المرء فيه من آلام وأهوال فهى هيّنة لينة ، فلنجاهد إذا مثل ما جاهد إبراهيم ، فإن متنا أو قتلنا فإن ما يصيبنا فى سبيل الحق يكون لنا عزا وشرفا.