ولما لم يجدوا ما يعوّل عليه فى تعرف حقيقتها لجئوا إلى التشبث بالتقليد دون إقامة الحجة والبرهان.
(قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) أي قال آزر وقومه له : إنا وجدنا آباءنا يعبدون هذه الأوثان فسرنا على نهجهم واقتفينا أثرهم ولا حجة لنا غير ذلك.
وخلاصة مقالهم : ليس لنا برهان على صحة ما نفعل ، وإنما نحن مقلدون للآباء والأجداد ، وكفى بهذا سبّة لهم ، فإن الشيطان قد استدرجهم وكاد لهم حتى عفّروا لها جباههم وجدّوا فى نصرتها ، وجادلوا أهل الحق فيها ـ وما كان أجدرهم أن يتواروا خجلا وحياء ولا يقولوا مثل هذا.
والتقليد هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز ، والحبل الذي يتشبث به كل غريق وهكذا يجيب المقلّدة من أهل الملة الإسلامية إذا أنكر عليهم العالم بالكتاب والسنة العمل بالرأى الذي يدفعه الدليل ـ بهذا قال إمامنا الذي وجدنا آباءنا له مقلدين ، وبرأيه آخذين وكأنه يقول :
وهل أنا إلا من غزيّة إن غوت |
|
غويت وإن ترشد غزيّة أرشد |
وقد أجابهم إبراهيم ببيان قبح ما يصنعون ، وبكّتهم على سوء ما يفعلون.
(قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي قال لهم : لقد كنتم أيها القوم أنتم وآباؤكم بعبادتكم إياها فى ضلال بيّن ، وجور واضح عن سبيل الحق لمن تأمله بلبه ، وفكّر فيه بعقله.
وخلاصة هذا ـ إن المقلدين ومن قلّدوا فى ضلال ظاهر لا يخفى على من لديه أدنى مسكة من عقل ، فالفريقان لا يستندان إلا إلى هوى متبع ، وشيطان مطاع وقد أحسن من قال :
يأبى الفتى إلا اتّباع الهوى |
|
ومنهج الحق له واضح |
وفى ذلك إيماء إلى أن الباطل لا يصير حقا بكثرة المستمسكين به.
وقد أجابوه إجابة مستفهم متعجب مما يسمع ويرى.