أي ولكى يعلم أهل العلم بالله أن الذي أنزله الله من آياته التي أحكمها ونسخ ما ألقى الشيطان ـ أنه الحق من ربهم ، فيصدقوا به وتخضع له قلوبهم وتذعن للإقرار به نفوسهم ، وتعمل بما فيه من عبادات وآداب وأحكام وهى مثلجة الصدر هادئة مطمئنة ببرد اليقين ، والسير على نهج سيد المرسلين.
ثم بين حسن مآلهم وفوزهم بسعادة العقبى فقال :
(وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي وإن الله لمرشد الذين آمنوا به وصدّقوا برسوله ، وموفّقهم إلى الحق الواضح ، بنسخ ما ألقى الشيطان فى أمنية رسوله حين تلاوة الوحى ، وحفظ أصول الدين الصحيحة فى نفوسهم ، والعمل بها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وخلاصة ذلك ـ إن الله ليهدى الذين آمنوا إلى تأويل ما تشابه من الدين ، وتفصيل ما أجمل منه ، بما تقتضيه الأصول المحكمة. فلا تلحقهم حيرة ، ولا تعتريهم شبهة ، ولا تزلزل أقدامهم ترّهات المبطلين.
ثم أردفه بيان مآل الفريق الأول فقال :
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) أي ولا يزال الكافرون فى شك مما ألقى الشيطان فى قلوبهم حين قراءة القرآن عليهم حتى يأتيهم الموت فجأة وهم فى بيوتهم آمنون ، أو يشتبكوا مع المؤمنين فى قتال يهلك فيه أبطالهم وصناديدهم كما حدث يوم بدر.
وقد جعل هذا اليوم عقيما ، لأن المقاتلين يسمّون أبناء الحرب ، فإذا هم قتلوا وصف هذا اليوم بأنه عقيم.
وخلاصة هذا ـ إنه لا مطمح فى إيمانهم ، ولا لزوال المرية من قلوبهم ، فهم لا يزالون كذلك حتى يهلكوا.
وبعد أن بين سبحانه حال الفريقين فى الدنيا أرشد إلى حالهم فى الآخرة فقال :
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أي إذا جاء يوم القيامة حكم ربهم بينهم بالحق