هذا وقد دسّ بعض الزنادقة فى تفسير هذه الآية أحاديث مكذوبة لم ترد فى كتاب من كتب السنة الصحيحة ، وأصول الدين تكذّبها ، والعقل السليم يرشد إلى بطلانها ، وأنها ليست من الحق فى شىء ، وهى مما تشكّك المسلمين فى دينهم ، وتجعلهم فى حيرة من أمر الوحى وكلام الرسول ، فيجب على العلماء طرحها وراءهم ظهريّا ، ولا يضيعون الزمن فى تأويلها وتخريجها ، ولا سيما بعد أن نص الثقات من المحدّثين على وضعها وكذبها ، لمصادمتها لأصول الدين التي لا تقبل شكا ولا امتراء.
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي والله عليم بكل شىء ، ومن ذلك ما يصدر عن الشيطان وأوليائه ، فيجازيهم عليه أشد الجزاء ، حكيم فى أفعاله ، ومن ذلك أن يمكّن الشيطان من إلقاء الشبهات ، ليحاجّ أولياؤه بها ، فيتمكن المؤمنون من ردها ودحض المفتريات التي يتشدقون بها ، ويرجع الحق إلى نصابه ، فتظهر الحقيقة ناصعة بيضاء من بين تلك الظلمات ، فتمحو الظلام الذي كان عالقا بنفوس الذين فى قلوبهم مرض ، وتضىء آفاق العقول السليمة ، وتهديهم إلى طريق الرشاد ؛ وإلى الفريقين أشار بقوله :
(١) (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) أي ليجعل ما يلقيه الشيطان على قلوب أوليائه فتنة واختبارا للمنافقين الذين فى قلوبهم مرض ، وللكافرين الذين قست قلوبهم ، فلا تلين لقبول الحق ، ولا ترعوى عما هى فيه من الغىّ.
ثم بين مجانفة هذين الفريقين للحق وبعدهما عن الرشد لا إلى غاية فقال :
(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي وإن هذين الصّنفين من الضلّال لفى عداوة لأمر الله ، وبعد عن الرشاد والسداد ، بما لا مطمع لهما معه فى النجاة والفوز برضا الله.
(٢) (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ)