وهذه القشرة الصوانية البعيدة الفور المغلّفة للكرة النارية هى الحافظة لكرة النار التي تحتها ، وهى التي نبتت منها الجبال التي نراها فوق أرضنا ، وقد جعلت لحفظ الأرض من أن تميد ، وما هى إلا كأسنان لها ، طالت وامتدت فوق طبقات الأرض ، فلو زالت هذه الجبال لبقى ما تحتها مفتوحا ، وإذ ذاك ربما تثور البراكين فى جهات كثيرة من الأرض وتضطرب اضطرابا شديدا وتزلزل زلزالا كثيرا.
وخلاصة ذلك ـ إنه لو لم تكن هذه لجبال التي هى قطعة من قشرة الأرض مرتفعة لما وجد ما يحفظ النيران المشتعلة فى باطن الأرض من الظهور على سطحها بالبراكين والزلازل ، وإذ ذاك ربما تضطرب الأرض اضطرابا شديدا وتخرج نيرانها الملتهبة من باطنها وتطغى على سطحها وتهلك الحرث والنسل.
وقد قدر العلماء حديثا نسبة الجبال إلى الأرض فقالوا : لو كان قطر الكرة الأرضية مترا لم تزد الجبال على ملليمتر ونصف فحسب.
وهذه هى المعجزة الثالثة فى الآية التي ترشد الى أن القرآن وحي يوحى ، فما محمد ولا قومه ولا الأمم المعاصرون لهم يعلمون شيئا من هذه الآيات الكونية التي أيد صحتها تقدم العلوم ، ففهم ظاهر الأرض وباطنها.
وفى هذا مصداق لما أثر عن على كرم الله وجهه «القرآن جديد لا تبلى جدّته».
(٤) (وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي وجعلنا فى الأرض طرقا بين جبالها يسلكها الناس من قطر إلى قطر ومن إقليم إلى آخر ، ليهتدوا بذلك إلى مصالحهم ومهامّ أمورهم المعيشية.
(٥) (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) أي إنه تعالى نظّم السماء وجعلها كالسقف المحفوظ من الاختلال وعدم النظام ، فقد حفظت الشموس والكواكب فى مداراتها بحيث لا يختلط بعضها ببعض ، ولا يختبط بعضها فى بعض ، بل جعلت فى أماكنها الخاصة بها بقوة الجاذبية.