الإيضاح
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) أي دنا حساب الناس على أعمالهم التي عملوها فى دنياهم ، وعلى النعم التي أنعمها عليهم ربهم فى أجسامهم وعقولهم ومطاعمهم ومشاربهم ، ماذا عملوا فيها؟ هل أطاعوه فيها فانتهوا إلى أمره ونهيه؟
أو عصوه فخالفوا أمره فيها ، وهم فى هذه الحياة فى غفلة عما يفعل الله بهم يوم القيامة ، ومن ثم تركوا الفكر والاستعداد لهذا اليوم والتأهب له ، جهلا منهم بما هم لاقوه حينئذ من عظيم البلاء وشديد الأهوال ؛ وآثر بيان اقتراب هذا اليوم مع أن الكلام مع المشركين المنكرين للبعث ، للإشارة إلى أن البعث لا ريب فيه ، وأن الذي يرجى بيانه ذكر ما يستتبعه من الأحوال والأهوال كالحساب الموجب للاضطراب على وجه أكيد ونهج سديد.
وخلاصة ذلك ـ أنه قد دنا وقت الساعة وهم غافلون عن حسابهم ، ساهون لا يتفكرون فى عاقبتهم ، مع أن قضية العقل تقضى بجزاء المحسن والمسيء ، وإذا هم نبّهوا من غفلتهم بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا ، وسدوا أسماعهم عن سماعه.
ثم ذكر ما يدل على غفلتهم وإعراضهم بقوله :
(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) أي ما ينزل الله من قرآن ويذكّرهم به إلا استمعوه وهم لاهون لاعبون مستهزئون.
والخلاصة ـ إنه ما جدد لهم الذكر وقتا فوقتا ، وكرر على أسماعهم التنبيه والموعظة لعلهم يتعظون ، إلا زادهم ذلك سخرية واستهزاء.
وفى هذا ذم لأولئك الكفار وزجر لغيرهم عن مثله ، فالانتفاع بما يسمع لا يكون إلا بما يرجع إلى القلب من تدبر وتفكر ، وإلا حصل مجرد الاستماع الذي تشارك البهيمة فيه الإنسان