والإجماع إنّما يتحقّق بعد العصر المعتبر عند المشهور ، لأنّ خلاف المشهور هو النادر ، وأين هو من الإجماع؟ مع أنّ الظاهر من قول المصنّف : (خلافا لبعض المتأخّرين) عدم الخلاف ممّن تقدّم عليه ، وخلاف بعض المتأخّرين لا يضرّ الإجماع ووفاق الكلّ.
وأمّا الأخبار ، فقد عرفت أنّها منصرفة إلى الأفراد الغالبة والشائعة ، مع أنّ العمل مقصور على العصر ، وثمرة الفتوى في العمل ، فتأمّل!
ثمّ اعلم! أنّ العصر المعتبر يكون مرّتين فيما يجب غسله مرّتين عند المحقّق (١) ، ومرّة بين الغسلتين عند الشهيد في «اللمعة» (٢) ، وبعد الغسلتين عند الصدوق (٣).
والظاهر أنّ العلّامة موافق للمحقّق ، ولذا احتجّ بالفرق بين الغسل والصبّ ، وبأنّ الماء ينجس بالملاقاة فيجب إزالته (٤).
ومعلوم أنّ رأيه ليس رأي الصدوق ، حتّى يقال : يظهر من هذا الدليل كون العصر بعد الغسلتين ، كما قاله في «المدارك» (٥) ، فيكون هذا الدليل ينفع الصدوق لما عرفت من أنّ دليل الفقيه ربّما يكون أخص من مدّعاه.
نعم ، لا بدّ من ثبوت مدّعاه ، مع أنّ العصر الذي يتوقّف عليه إخراج من النجاسة لا تأمّل لأحد فيه ، بل التأمّل إنّما هو فيما يتوقّف عليه إخراج الغسالة الثانية ، فتأمّل!
ومقتضى الأدلّة السابقة كون الأمر كما ذكره المحقّق والعلّامة ، لكون العصر
__________________
(١) المعتبر : ١ / ٤٣٥.
(٢) اللمعة الدمشقيّة : ١٦.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ ذيل الحديث ١٥٦.
(٤) منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٥.
(٥) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٢٨.