الغسل المزبور لم يصحّ شيء ممّا ذكر ، وأنّه وإن اختصّ بالثوب إلّا أنّه يشمل الجسد وغيره ، إلى غير ذلك ممّا يفهم من الإجماع ، كذلك يفهم من ذلك الإجماع وجوب غسل ما يلاقي الملاقي برطوبة ، وهكذا ، كما مرّ سابقا (١).
وكما أنّ الأحكام التي سلّم المصنّف ثبوتها من مجرّد لفظ «اغسل الثوب» خاصّة ، مثل غسل الجسد وكلّ جسم جامد ، ونجاسة كلّ جسم مائع سوى الماء ، وأمّا الماء ففي صورة تغيّره لونا أو طعما أو رائحة ، وكذا وجوب إعادة الصلاة وغيرها ممّا ماثلها.
وكذلك الحال في حرمة الأكل والشرب وغير ذلك من الأحكام الكثيرة التي لا تحصى ، وسلّم المصنّف ثبوتها من مجرّد عبارة «اغسل الثوب منه». مع أنّه بحسب لغة العرب لا يدلّ على أزيد من إزالة ذلك الشيء من الثوب بشيء مائع ، فكذلك الحال في وجوب غسل ما يلاقي الملاقي برطوبة ، إذ عرفت أنّ منشأ الدلالة على ما زاد عن الموضوع له في لغة العرب هو الإجماع ، والإجماع إنّما هو في كلام الفقهاء ، وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، وهما بالنظر إلى ما سلّمه المصنّف وما أنكره واحد.
أمّا طريقة المسلمين ففي غاية الوضوح. وأمّا طريقة الفقهاء فيظهر بتتبّع كلماتهم ، حتّى أنّهم شنّعوا على ابن إدريس رحمهالله في قوله بأنّه إذا لاقى جسد الميّت إناء وجب غسله ، ولو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجس ذلك المائع ، لأنّه لم يلاق جسد الميّت وحمله على ذلك قياس ، لأنّ هذه نجاسات حكميّات وليس بعينيات (٢).
وشرع في إثبات كونها حكميّات لا عينيّات ، وصرّح بأنّها لو كانت عينيّات
__________________
(١) راجع! الصفحة : ٦٤ من هذا الكتاب.
(٢) السرائر : ١ / ١٦٣.