نعم ، صدر من الصادق عليهالسلام مرّة أنّه أمّ قوما فقرأ آخر المائدة ، فلمّا فرغ اعتذر عن هذا الفعل (١).
فلولا أنّه خلاف طريقتهم لما بادروا بذكر العلّة ، لأنّ ما صدر منهم ما كانوا يذكرون له علّة ، سيّما في العبادة التوقيفيّة ، بل علّلوا للحمد أو الركوع أو غيرهما من أجزاء الصلاة ، أو كيفيّة الأجزاء المسلّمة.
وخصوصا أن يبادر بذكر العلّة ، خوفا من أن يتوهّموا كونه غير معلّل ، كسائر الأجزاء والهيئات لها ، وسيّما أن يعلّل بأنّي أردت أن أعلّمكم ويسكت من دون ذكر ما أراد أن يعلّمهم ، إذ فيه إيماء إلى أنّه لا يناسب ذكره.
وكون الظاهر منه إعلام جوازه لا ينفع ، لكونه مسلّما عند الموجب أيضا إنّما الإشكال في جوازه مطلقا أو في الجملة ، مثل حال التقيّة أو غيره ، والفعل لا عموم فيه قطعا فيكون مؤدّاه في الجملة جزما ، فيكون مختصّا بحال التقيّة ، لأنّه من جملة الأحوال وجوازه قطعيّ ، وغيره غير ظاهر لعدم ما يدلّ عليه لو لم نقل بدليل العدم.
وعدم إعلامه كون جوازه مطلقا ، أو في الجملة يشير إلى الثاني ، لكون المقام مقام تقيّة ، وعدم مناسبة التعيين ، بل وإظهار العلّة والمبادرة به تنبيه لمن خلفه أن لا يتوهّموا الصحّة وأنّه من دون عذر وعلّة ، وتصريح بأنّه معلّل بعلّة لا أنّه من غير علّة ، وأنّ الصلاة هكذا في نفسها ، كما هو كذلك عند العامّة.
والشيعة لمّا رأوا أمثال ذلك كانوا يقولون : أعطاك من جراب النورة (٢) ، ولذا
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٤ الحديث ١١٨٣ ، الاستبصار : ١ / ٣١٦ الحديث ١١٧٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٦ الحديث ٧٣٠١.
(٢) تهذيب الأحكام : ٩ / ٣٣٢ الحديث ١١٩٥ ، وسائل الشيعة : ٢٦ / ٢٣٨ الحديث ٣٢٩١٥.