فكيف كان الأمر على خلاف ذلك ، فظهر لك اليقين بعدم اعتبار ظاهر الصحيحة ، فإمّا أن يكون محمولا على الاستحباب ، كما يدلّ عليه صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليهالسلام : عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد ، فقال : «إنّي أحبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه» (١) أو يكون المراد الاستواء الشرعي ، وعدم التفاوت بما يعتدّ به شرعا ، كما عرفت ، فيكون المراد من الحديثين أمرا واحدا.
بل يكون الحديث حديثا واحدا ، وقع التفاوت من فوت القرائن ، بقرينة اتّحاد الراوي والمروي عنه والحكاية.
وكذا الراوي عن الراوي ، وهو ابن أبي عمير في طريق «الكافي» ، مع أنّ ابن أبي عمير كيف لم يرو للنهدي مجموع الروايتين ، وكذلك لإبراهيم بن هاشم؟ وكيف روى للنهدي خصوص أحد المتعارضين ، ولإبراهيم خصوص الآخر ، من دون إظهار المعارض لكلّ منهما؟
وكذلك الحال في ابن سنان ، في غير طريق «الكافي» ، مع أنّه كان المناسب أن يروي المضمونين بحديث واحد ، بأن يقول : سمعت هكذا وهكذا جميعا ، أو يقول : وإن كان الواجب كذا ، إلّا أنّ المستحب كذا ، مع أنّ ابن سنان كيف لم يسأل الصادق عليهالسلام بأنّك كيف ذكرت لي حكمين متناقضين؟ وما السرّ وما الحكمة وما العلاج؟ فتأمّل!
وممّا ذكرنا ظهر فساد ما في «المدارك» من الطعن في الحسنة ، بأنّ النهدي مشترك بين جماعة ، منهم من لم يثبت توثيقه ، مع أنّه روى في الصحيح ما يقتضي المنع مطلقا ، وتقييدها بالرواية الاولى مشكل (٢) ، انتهى.
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٥ الحديث ٣١٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٧ الحديث ٨١٧٦.
(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٠٧.