معجزة قد ادّعى أن ما يتيقنه خطأ ودليل خطأه معجزته فلا يكون له تأثير بهذا السماع إلا أن يضحك منه ، ومن المحكي عنه. فإن خطر بباله أنه يمكن أن يكون اللّه قد أطلع نبيه على سر انكشف له نقيض اعتقاده ، فليس اعتقاده يقينا. ومثال هذا العلم قولنا إن الثلاثة أقل من الستة ، وإن شخصا واحدا لا يكون في مكانين ، وإن شخصين لا يجتمعان في موضع ونظائر ذلك.
الحالة الثانية : أن يصدّق به تصديقا جزما لا يتمارى فيه ولا يشعر بنقيضه البتة ولو أشعر بنقيضه عسر عليه إذعان نفسه للإصغاء إليه ولكنه لو ثبت وأصغى وحكى له نقيض معتقده عمّن هو أعلم الناس وأعدلهم عنده ، وقد نقله مثلا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أورث ذلك في يقينه توقفا ما ولنسمّ هذا الجنس اعتقادا جزما وهو أكثر اعتقاد عوام المسلمين واليهود والنصارى في معتقداتهم وأديانهم ومذاهبهم ، بل أكثر اعتقاد المتكلمين في نصرة مذاهبهم بطريق الأدلة ، فإنهم قبلوا المذاهب والأدلة جميعا بحسن الظن والتصديق من أرباب مذاهبهم الذين حسن فيهم اعتقادهم بكثرة سماعهم الثناء عليهم وتقبيح مخالفتهم ونشؤهم على سماع ذلك منذ الصبا ، فإن المستقل بالنظر الذي يستوي مثيله في أول نظره إلى الكفر والإسلام وسائر المذاهب عزيز.
الحالة الثالثة : أن يكون له سكون نفس إلى شيء والتصديق به وهو يشعر بنقيضه أو لا يشعر ولكنه إن أشعر به لم ينفر طبعه عن قبوله ، وهذا يسمّى ظنا وله درجات في الميل إلى الزيادة والنقصان لا تحصى ، فمن سمع من عدل شيئا سكنت إليه نفسه ، فإن انضاف إليه ثان زاد السكون وقوي الظن ، فإن انضاف إليه ثالث زادت القوة ، فإن انضافت إليه تجربة بصدقهم على الخصوص زادت القوة ، فإن انضافت إليه قرينة حال كما إذا أخبروا عن أمر مخوف وهم على صورة مذعورين صفر الوجوه مضطربي الأحوال زاد الظن ، وهكذا لا يزال يترقى قليلا قليلا في القوة إلى أن ينقلب الظن على التدريج يقينا إذا انتهى الخبر إلى حد التواتر. والمحدثون يسمّون أكثر هذه الأحوال علما ويقينا حتى يطلقون بأن الأخبار التي تشتمل عليها الصحاح