هذا التفطّن لفيضان النتيجة من عند واهب الصور المعقولة الذي هو العقل الفعّال عند الفلاسفة ، وعلى سبيل تضمن المقدمات للنتيجة بطريق اللزوم الذي لا بد منه عند أكثر أصحابنا المخالف للتولد الذي ذكره المعتزلة ، وعلى سبيل حصوله بقدرة اللّه تعالى عقيب حصول المقدمتين في الذهن ، والتفطّن لوجه تضمنه له بطريق إجراء اللّه العادة على وجه يتصور خرقها بأن لا يخلق عقيب تمام النظر عند بعض أصحابنا ، ثم ذلك من غير نسبة له إلى القدرة الحادثة عند بعضهم بل بحيث لا تتعلق بها قدرة العبد ، وإنما قدرته على استحضار المقدمتين ومطالعة وجه تضمن المقدمة للنتيجة على معنى وجودها فيها بالقوة فقط. فأما صيرورة النتيجة بالفعل فلا تتعلق به القدرة ، وعند بعضهم تتعلق به القدرة الحادثة فيكون العلم النظري كسب العبد ، وإيضاح الرأي الحق من جملة ذلك لا يليق بما هو النظر الفاسد ما هو ، وترى الكتب مشحونة بتطويلات في معنى هذه الألفاظ من غير شفاء. وإنما الكشف يحصل بالطريق الذي سلكناه فقط لا ينبغي أن يكون شغفك بالكلام المعتاد المشهور بل بالكلام المفيد الموضح ، وإن خالف المعتاد.
مغالطة من منكري النظر : وهو أن يقول ما تطلبه بالنظر هو معلوم لك أم لا ، فإن علمته فكيف تطلبه وأنت واحد وإن جهلته فإذا وجدته ، فبم تعرف أنه مطلوبك ، وكيف يطلب العبد الآبق من لا يعرفه فإنه لو وجده لم يعرف أنه مطلوبه ، وحلّها أن تقول أخطأت في نظم دليلك ، فإن تقسيمك ليس بحاصر ، إذ قلت تعرفه أو لا تعرفه بل هاهنا قسم ثالث وهو إني أعرفه من وجه وأجهله من وجه ، وأعني الآن بالمعرفة غير العلم. فإني أفهم مفردات أجزاء المطلوب بطريق المعرفة والتصور وأعلم جملة النتيجة المطلوبة بالقوة لا بالفعل ، ولو كنت أعلمه بالفعل لما طلبته ولو لم أعلمه بالقوة لما طمعت في أن أعلمه ، إذ ما ليس في قوة عليه يستحيل حصوله كالعلم باجتماع الضدين ، ولو لا أني أدركه بالمعرفة والتصور لأجزائه المفردة لما كنت أعلم بالظفر بمطلوبي إذا وجدته ، وهو كالعبد الآبق فإني