أعرف ذاته بالتصور ، وإنما أنا طالب مكانه وأنه في البيت الفلاني أم لا ، وكونه في البيت أعلمه بالمعرفة والتصور أي لفهم البيت مفردا وأفهم الكون مفردا وأعلمه بالقوة ، أي في قوة أن أصدّق بكونه في البيت ولكن لست مصدّقا بالفعل ، وإنما أطلب حصوله بالفعل من جهة حاسة البصر ، وإذا رأيته في البيت بالمشي إليه صدّقت بكونه في البيت بالفعل ، فلولا معرفتي البيت والكون والعبد بطريق التصور للمفردات لما عرفت وجه المطلوب عند رؤية العبد ، ولو لا أنه في قوة التصديق لما صار بالفعل ، فكذلك أطلب أن العالم حادث فأفهم العالم مفردا بالمعرفة والتصور وأعلم الحادث بالمعرفة وفي قوة التصديق بأن العالم حادث فإذا صار بالفعل علمت أنه مطلوبي ولو كان بالفعل لما طلبته.
مغالطة أخرى : قال بعض منكري العلم ، أتعلم كل اثنين زوج فقيل نعم ، فقال فما في يدي زوج أم لا ، فإن قلت نعم فبم أعرفه والكف مجموع ، وإن قلت لا فقد ناقضت قولك ، إذ قلت عرفت أن كل اثنين زوج وما في يدي اثنان فكيف لم تعلم أنه زوج ، فأجيب عن هذا بأنا عنينا بما ذكرنا أن كل اثنين عرفنا أنهما اثنان فهما زوج ، وما في يدك لم أعرف أنه اثنان ، ولو عرفت أنه اثنان لقلت أنه زوج. وهذا الجواب مع وضوحه خطأ فإنا إذا قلنا كل اثنين زوج إن أردنا به أن كل الاثنين زوج سواء عرفنا أن ما في يده اثنان أو لم نعرف كان خطأ بل كل ما هو اثنان في نفسه وفي علم اللّه تعالى فهو بالضرورة زوج ، لكن الجواب الحق أن ما بيدك زوج إن كان اثنين ، وقولي لا أعرف أنه اثنان لا يناقض قولي كل اثنين زوج بل نقيض قولي كل اثنين زوج قولي كل اثنين فليس بزوج أو بعض ما هو اثنان ليس بزوج.
هاتان المغالطتان وإن كانتا من الجليات فإنما أوردتهما ليقع الأنس بتحرير الكلام في حل الإشكالات ، فإن الأغاليط في النظريات كلها ثارت من إهمال الجليات والتسامح فيها ، ولو أخذت الجليات وحررت ثم تطرق