تعلم أن المقدمات القياسية إذا كانت صادقة يقينية وكانت مفردات معارفها وهي الأجزاء الأول محصّلة في العقل بحقائق معانيها دون ألفاظها وكانت المقدمات التي هي الأجزاء الثواني أيضا متمايزة مفصلة وكانت غير النتيجة وكانت أعرف من النتيجة وكان تأليفها داخلا في نمط من جملة ما ذكرناه وكان بعد وقوعه في نمط واحد جامعا للشروط التي شرطناها في ذلك النمط ، كان الحكم الذي يلزم منه حقّا وصدقا لا محالة ، فإن لم يكن حقا فهو لخلل وقع في هذه الأمور ، فلنفصّلها.
المدخل الأول : أن لا تكون المقدمات صادقة بل تكون مقبولة بحسن الظن أو وهمية أو مأخوذة من الحس في مظان غلطه ، وذلك عند بعد مفرط أو قرب مفرط أو اختلال شرط من الشروط الثمانية التي فيها ، وأكثر أغاليط النظّار من التصديق بالمألوفات والمسموعات في الصبي من الأب والأستاذ وأهل البلد والمشهورين بالفضل ، وقد انتهى هذا الداء بطائفة إلى أن صدّقوا بأن الحروف التي ينطقون بها في الحال قديمة ولو سوّلوا عن ألسنتهم لقالوا هي حادثة ، ولو قيل له كيف كان كلامك أكان قبل لسانك أو بعده لقال بعده ، فإذا قيل فما هو بعد لسانك كيف يكون قديما وكيف يكون قديم متأخرا عن حادث لم ينفع هذا معهم. واعلم أن من الأذهان ما فطر فطرة تسارع إلى قبول كل مسموع ثم ينصبغ به انصباغا لا يمكن البتة انجلاؤه عنه ويكون مثاله كالكاغد الرخو الذي يغوص الحبر في عمقه ، فإن أردت محوه لزمك إفساد الكاغد وخرقه ، وما دام الكاغد موجودا كان السواد فيه موجودا. فهؤلاء أيضا ما دامت أدمغتهم موجودة كانت هذه الضلالات فيها موجودة لا يقدر البشر على إزالتها. وأما الذين كذبوا بوجود موجود لا يشار إلى جهته ولا يكون داخل العالم ولا خارجه فهم أظهر عذرا وأقرب أمرا من هؤلاء ولكنهم أيضا عادلون عن الحق بالإذعان لمقتضى. الوهم والعجز عن التمييز بين حكمه وحكم العقل. ومهما قصد رسوخ مثل هذا الاعتقاد في النفوس أعني قدم الحروف ينبغي أن يكرّر ذلك على السمع في الصبا ويختم الوجه عند ذكر منكره ويستعاذ باللّه تعالى ويطلق اللسان في ذمه ويقال إن