الدال على تمام ماهية الشيء. ولا يحتاج في هذا أن يذكر الطرد والعكس لأن ذلك يتبع الماهية بالضرورة ولا يتعرض للازم والعرضي ، فإنه لا يدل على الماهية إلا الذاتيات. فقد عرفت أن اسم الحد مشترك في الاصطلاحات بين الحقيقة وشرح اللفظ والجمع بالعوارض والدلالة على الماهية. وهذه أربعة أمور مختلفة كما دلّ لفظ العين على أمور مختلفة فيعلم صياغة الحد. فإذا ذكر لك اسم وطلب حدّه فانظر ، فإن كان مشتركا فاطلب عنده المعاني التي فيها الاشتراك ، فإن كانت ثلاثة فاطلب ثلاثة حدود ، لأن الحقائق إذا اختلفت فلا بد من اختلاف الحدود. فإذا قيل ما الإنسان فلا تطمع في حد واحد ، فإن الإنسان مشترك بين أمور ، إذ يطلق على إنسان العين وله حد وعلى الإنسان المعروف وله حد آخر وعلى الإنسان المصنوع على الحائط المنقوش وله حد آخر وعلى الإنسان الميت وله حد آخر. فإن الذكر المقطوع واليد المقطوعة تسمّى يدا وذكرا لا بالمعنى الذي كان يسمّى به ، إذ كان يسمّى به من حيث أنها آلة البطش وآلة الوقاع ، وبعد القطع يسمّى به من حيث أن شكله له اسم ولو صنع شكله من خشب أو حجر.
أعطي اسمه ، وكذلك يقال ما حدّ العقل فلا تطمع في أن يحدّ بحد واحد وهو هوس لأنه مشترك يطلق على الغريزة التي يتهيأ بها الإنسان لدرك العلوم الضرورية ، ويطلق على العلوم المستفادة من التجربة ، حتى أن من لم تحنكه التجارب بهذا الاعتبار لا يسمّى عاقلا ، ويطلق على من له وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكلامه وهو عبارة عن الهدوء ، فيقال فلان عاقل أي فيه هدوء ، وقد يطلق على من جمع إلى العلم العمل حتى أن الفرس وإن كان في غاية من الكياسة يمنع عن تسميته عاقلا ويقال للحجّاج إنه عاقل بل داهية ، ولا يقال للكافر وإن كان فاضلا في جملة من علوم الطب والهندسة إنه عاقل ، بل إما داهية وإما فاضل وإما كبير. فهكذا تختلف الاصطلاحات فيجب بالضرورة أن تتعدّد الحدود في حد العقل فباعتبار أحد مسمياته إنه بعض العلوم الضرورية بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات. وبالاعتبار الثاني إنه غريزة يتهيأ بها النظر في المعقولات ، وهكذا بقية الاعتبارات.