فإن قلت فما اختيارك فيه فاعلم أن ذكر ذلك لا يحتمله هذا الكتاب فإن هاهنا نظر في الألفاظ وهي ثلاثة : الحياة والروح والنفس ، ونظر في المعاني والحقائق. فإن في الناس من يقول ليس في الإنسان إلا حياة وهو عرض قائم بجسمه ، واسم النفس والروح يرجع إليه. ومنهم من يقول إنه لا بد سوى هذا العرض من شيء هو الروح وهو جسم لطيف في داخل القلب والدماغ يجري إلى سائر البدن في العروق الضوارب ، وأما النفس فليس لها مسمى ثالث. ومنهم من قال هاهنا أمر ثالث وهو موجود قائم بنفسه غير متحيّز ، والروح الذي هو الجسم اللطيف ومنبعه القلب مدير لسائر أعضاء البدن بواسطته ، وانظر كيف اختلف الطريق بهم وكيف يشاهد الاختلاف ، فإني أنبهك على أوائله وإن لم يحتمل الكتاب الخوض في غوائله ، فاعلم أن الناظر لمّا نظر إلى النطفة وهي جماد لا يحس ولا يتحرك ثم استحال في أطوار الخلق حتى صار يحس ويتحرك علم أنه حدث فيه ما لم يكن من الإحساس والحركة الإرادية ، فظنّ أنه ليس في هذا الوجود إلا الجسم كان جمادا فخلق اللّه فيه الإحساس وقدرة الحركة فلم تتحدد إذا إلا القدرة والحس ، وعند ذلك يسمّى حيا ، ويتجدد له هذا الاسم. فكانت الحياة عبارة عن الإحساس والقدرة فقط. ولما نظر إلى اللغات فرأى هذا الجنين وهذا الإنسان في حال السكتة يسمّى حيا ويصدق عليه الاسم وخمّن في نفسه بالوهم الظاهر قبل التحقيق بالبرهان أن هذا الإنسان في سكتته ليس معه إحساس البتة ولا قدرة ، وطلب له مسمّى فظنّ أنه ليس هاهنا إلا إمكان خلق الإحساس فيه وخلق القدرة ، فهو من حيث أنه مستعد لقبوله سمّي حيا والحياة عبارة عن استعداد فقط ، ولكن كان قد استقر في اعتقاده أن اللّه يقدر أن يخلق الحياة في كل جسم ، ولا يوصف اللّه تعالى بالقدرة على خلق الحس والحركة في الجماد ، فسنح له أن لا بد من صفة يفارق بها صاحب السكتة الجماد حتى تصور خلق الحس والقدرة فيه بسببه دون الجماد ، فقال الحياة عبارة عن تلك الصفة وأثبت له صفة هي الحياة. فمنهم من قنع بهذا