المتصوّف والمربّي الوفيّ. فتابع الإمام تعليمه في النظاميّة ، وتوجّه بعدها إلى جرجان طلبا للاستزادة من العلم. ثمّ عاد بعدها إلى طوس يتمثّل ما تلقّاه ويفيد منه. وانتقل في عام (٤٧٠ ه / ١٠٧٨ م) إلى نيسابور حيث التقى فيها إمام الحرمين (٤١٩ ـ ٤٧٨ ه / ١٠٢٩ ـ ١٠٨٦ م) وفي هذه الأثناء تلقّى الأصول.
درس الإمام الحكمة والفلسفة والمنطق والجدل وفهم المسائل العلميّة المختلفة وقصد بعدها نظام الملك في معسكره ، فأعجب به وزير الدولة وقدّمه وولاّه التدريس في النظاميّة ببغداد عام ٤٨٣ ه. وخرج بعدها عام ٤٨٨ ه قاصدا الحجّ في الحجاز ، بعد أن استناب أخاه للتدريس فيها.
لم تكن غايته الحجّ فقط ، إنّما أراد في رحلته متنفّسا بعد أن عصفت به أزمته الشكّيّة ، وأدّت به إلى التنقّل والارتحال زهاء عشر سنوات. ويقول بروكلمان عن هذه المرحلة من عمر الغزالي : «تخبّط برهة في دياجير شكوكيّة حادّة ، ظهر استعداده لها منذ شبابه الأوّل. ـ يؤيّد هذا تأصّل الشكّ في نفسيّة الغزالي وصولا لليقين التامّ ـ وفيما هو يجوز هذه الأزمة الروحيّة ، تمّت له تجربة دينيّة حاسمة. فكما تحرّك النبيّ لأداء رسالته بدافع الخوف من الحساب المرتقب يوم الحشر ، هكذا عصفت بالغزالي أعاصير من الأسئلة حول الآخرة والبعث ، فلمّا كانت سنة ١٠٩٥ م اعتزل منصبه الساميّ ببغداد وطفق يتنقل في البلاد ...» (١). فقصد دمشق أوّلا وأقام فيها ، وما لبث أن انتقل إلى بيت المقدس فالحجاز. ثمّ أخذ يرتحل ما بين دمشق وطوس ، إلى أن استقرّ في بغداد مجدّدا. فعقد فيها مجالس علميّة مختلفة متحدّثا عن كتابه : (إحياء علوم الدين). واستبدّت رغبة العودة إلى الأهل والديار ، فعاد إلى أسرته معتزلا الحياة الاجتماعيّة. لكنّ الوزير
__________________
(١) بروكلمان ، كارل ، تاريخ الشعوب الإسلاميّة ، ترجمة فارس والبعلبكيّ ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ١٩٦٨ ، ص ٢٧٥.