فخر الدين بن نظام الملك قصده يرغب إليه التدريس في نظاميّة نيسابور.
وألحّ عليه بعد انتشار صيته وعلوّ مكانته. فاستجاب الغزالي إلى ذلك ، ولكن إلى حين. فقد آثر الرجوع إلى وطنه ، وهناك ابتنى مدرسة قرب بيته لطلبة العلم ، وخانقاه للصوفيّة ، ووافته المنيّة عام (٥٠٥ ه / ١١١١ م) وهو في تمام رجولته.
وصفه أستاذه أبو المعالي الجويني بأنّه بحر مغدق لسعة معرفته. وقال عنه السبكيّ في الطبقات : «لا يعرف قدر الشخص في العلم إلاّ من ساواه في رتبته في نفسه. قال ، وإنّما يعرف قدره ، بمقدار ما أوتيه هو ...» (١).
وقد شغل الغزالي أرباب الاستشراق فتحدّثوا عنه. ومنهم مكدونالد الأميركيّ ، وكارادفو الفرنسيّ ، وأوبرمان الألمانيّ ، وبلاسيوس الإسبانيّ ، وريشيرز الإنكليزيّ ، وكذلك اهتم به نيكلسون وغولدزيهر. قال مكدونالد مقوّما إيّاه : «لا يسعنا إلاّ أن نقول ، إنّ الغزالي كان فقيها عظيما ومتكلّما عظيما وسياسيّا عظيما ، وأظنّه رجلا واحدا في ثلاثة ، مثلما لعب دورا مهمّا في المنطق» (٢).
اتّسم عصر الغزالي بحياة سياسيّة واجتماعيّة مضطربة ، وبانحلال عسكريّ استولت فيه العناصر التركيّة على الحكم والجيش ، فأصبح الخليفة ألعوبة بأيدي السلاجقة ، ومن قبلهم بأيدي البويهيّين. وكان السلاجقة سنّة ، مما أثّر في تقرّب الغزالي من وزيرهم نظام الملك. وقابل هذا الحكم السلجوقيّ السنّيّ حكم الفاطميّين الإسماعيليّ في مصر ، وبه تحقّقت آمال
__________________
(١) السبكي ، تاج الدين ، عبد الوهاب ، طبقات الشافعيّة الكبرى ، القاهرة ، المطبعة الحسينيّة ، ١٣٢٤ ه ، ج ٦ ، ص ١٩١.
(٢) Macdonald Developement of muslim theology jurisprudence and constitutional theory New York ، ١٩٠٣ ، P.٤.