بأولى من نقيضه كلفظ المشتري ، إذ لا يمكن أن يقال استعير الكوكب من العاقد أو العاقد من الكوكب أو وضع لأحدهما أولا ثم حدث الثاني بعده ، وكذلك لفظ المفعول والفاعل فيما لا يختلف تصريفه كقولك اختار يختار اختيارا فهو مختار وذلك مختار ، فالفاعل والمفعول لهما صيغة واحدة وليس اللفظ بأحدهما هو أولى من الآخر ، وليس كذلك لفظ الأم ل (حوّاء) فإنها أم البشر ، والأرض فإنها تسمّى أم البشر ولكن الأول بالوضع والثاني بالاستعارة. ولا كذلك الألفاظ التي نقلت وغيّرت كلفظ المنافق والفاسق والكافر والملحد والصوم والصلاة وسائر الألفاظ الشرعية فإنها مشتركة لأمرين مختلفين ، ولكن لبعضها أول ولبعضها ثان ، أي منقول من البعض إلى البعض. فالأول منقول عنه والثاني منقول إليه. وقد حصل مقصود الاشتراك وإن كان على الترتيب ، كما حصل في لفظ العاقد والكوكب وإن لم يكن على الترتيب ، مثال الغلط في المشترك حتى تستدل به على غيره فإن الحال ليس يحتمل استقصاء هذه المفاضة. أما سمعت الشافعي رضي اللّه عنه في مسألة لمكره يقول يلزم القصاص لأنه مكره مختار. ويكاد الذهن ينبو عن التصديق بالضدين فإنه محال. فنرى الفقهاء يعثرون فيه ولا يهتدون إلى حلّه وإنما ذلك لأن لفظ المختار مشترك ، إذ قد يحمل لفظ المختار مرادفا للفظ القادر ومساويا له إذا قوبل بالذي لا قدرة له على الحركة الموجودة ، كالمحمول فنقول هذا عاجز محمول هذا مختار قادر ويراد بالمختار القادر الذي يقدر على الفعل والترك ، وهذا يصدق على المكره.
وقد يعبّر بالمختار عمّن تخلى في استعمال قدرته ودواعي ذاته ولا تحرر دواعيه من خارج ، وهذا يكذب على المكره ونقيضه وهو أنه ليس بمختار يصدق عليه ، فإذا صدق أنه مختار وصدق أنه ليس بمختار ولكن بشرط أن يكون مفهوم المختار المنفي غير مفهوم المختار المثبت. ولهذا نظائر في النظريات لا تحصى تاهت بسببها عقول الضعفاء فاستدل بهذا اليسير على الكثير. فإن الحال ليس يحتمل التطويل وأقنع بهذا القدر من النظر في دلالات الألفاظ وإن كان فيها مباحث سواه.