الباري تعالى ليس بجسم لأن الباري ليس بمؤلف وكل جسم مؤلف فالباري ليس بجسم ، فها هنا ثلاثة معان الباري والمؤلف والجسم والمتكرر في المقدمتين هو المؤلف فهو العلّة وتراه خبرا في المقدمتين غير مبتدأ به بخلاف المسكر في النظم الأول ، إذ كان خبرا في إحداهما مبتدأ في الأخرى ووجه لزومه النتيجة يمكن تفهيمه مجملا ومفصلا ومحقّقا. أما المجمل فهو أن كل شيئين ثبت لأحدهما ما انتفى عن الآخر ولا يكون بينهما التقاء واتصال لا يجوز أن يخبر بأحدهما عن الآخر ، فالتأليف ثابت للجسم ومنفي عن الباري ، فلا يكون بين معنى الجسم والباري التقاء ، فلا يقال الباري جسم ولا يقال الجسم باري. وأما بالتحقيق والتفصيل فينبغي أن يرد إلى النظم الأول بعكس المقدمة النافية. ولنعدل إلى مثال آخر تصاونا عن ترديد لفظ الباري. فإن قول القائل إنه ليس بجسم كأنه سوء أدب كما أن قوله هو جسم كفر ، فإن من قال للملك أنه ليس بحجام ولا بحائك فقد أساء الأدب إذا وهم إمكان ما صرح بنفيه ، إذ لا يتعرض إلا لنفي ما له إمكان في المادة والجسمية أشد استحالة في ذاته تعالى عن قول الزائغين من الحياكة والحجامة في الملك ، فنقول مثلا الأجسام ليست أزلية ، إذ كل جسم مؤلّف ولا أزلي واحد مؤلف فيلزم منه لا جسم واحد أزلي ، إذ صار المؤلف ثابتا للجسم مسلوبا عن الأزلي ولا يبقى بين الأزلي والجسم ارتباط الخبر والمخبر. وتفصيله بأن تنعكس المقدمة النافية فإنها نافية عامة ، وقد قدّمنا أن النافية العامة تنعكس مثل نفسها فإذا صدق قولنا ولا أزلي واحد مؤلف صدق قولنا ولا مؤلف واحد أزلي وهو عكسه ، فنضيف إليه قولنا وكل جسم مؤلف فيعود إلى النظم الأول ، فيكون وجه دلالته ولزوم نتيجته ما سبق. وخاصية هذا النظم أنه لا ينتج إلا القضية النافية ، أما الإثبات فلا. وأما النظم الأول فهو أكمل لأنه ينتج القضايا الأربعة ، أعني المثبتة العامة والمثبتة الخاصة والنافية العامة والنافية الخاصة. ولم نفرد تفصيل هذه الآحاد استثقال التطويل فإن قلت فلم لا ينتج هذا النظم الإثبات فاعلم أن هذا لا ينتج إلا النفي ، ومن شرطه أن تختلف المقدمتان أيضا في النفي