فمن مسوغات تنكير صاحب الحال : تخصيصه بوصف كقولك : «جاءنى رجل من قومك شاكيا» ، وكقراءة بعض القراء : ولما جاءهم كتب من عند الله مصدقا [البقرة : ٨٩] ، أو إضافة كقوله ـ تعالى ـ : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) [الدخان : ٤ ، ٥] ، وقوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) [فصلت : ١٠] ، وقرئ «سواء» ـ على النعت (١) ـ حكاها سيبويه (٢).
ومن مسوغات تنكيره تقديم الحال عليه كقولك «جاءنى راكبا رجل» ؛ ومنه قول الشاعر : [من الطويل]
وما لام نفسى مثلها لى لاثم |
|
ولا سدّ فقرى مثل ما ملكت يدى (٣) |
وقال الآخر : [من الطويل]
وبالجسم منّى بيّنا لو علمته |
|
شحوب (٤) ، وإن تستشهدى العين تشهد (٥) |
__________________
(١) العامة على النصب وفيه أوجه :
أحدها : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدّر أى استوت استواء قاله مكى. وأبو البقاء.
والثانى : أنه حال من هاء فى «أقواتها» أو من هاء فى «فيها» العائدة على «الأرض» أو من «الأرض» قاله أبو البقاء وفيه نظر لأنّ المعنى إنما هو وصف الأيّام بأنها سواء لا وصف الأرض بذلك وعلى هذا جاء التفسير ويدل على ذلك قراءة «سواء» بالجرّ صفة للمضاف والمضاف إليه. وقال السّدّى وقتادة : سواء معناه لمن سأل عن الأمر واستفهم من حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فإنه يجده كما قال تعالى ، إلا أن ابن زيد وجماعة قالوا شيئا يقرب من المعنى الذى ذكره أبو البقاء فإنهم قالوا : معناه : مستو مهيّأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر ، فعبّر بالسائلين عن الطالبين.
وقرأ زيد بن على والحسن وابن أبى إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد «سواء» بالخفض على ما تقدم ، وأبو جعفر بالرفع وفيه وجهان :
أحدهما : أنه على خبر ابتداء مضمر ، أى : هى سواء ، لا زيد ولا نقص. وقال مكى : هى مرفوع بالابتداء ، وخبره «للسائلين» ، وفيه نظر من حيث الابتداء بنكرة من غير مسوغ. ثم قال : بمعنى : مستويات لمن سأل فقال : فى كم خلقت؟ وقيل : للسائلين :
لجميع الخلق ، لأنهم يسألون الرزق وغيره من عند الله تعالى.
ينظر : الدر المصون (٦ / ٥٧).
(٢) ينظر الكتاب (٢ / ١١٩).
(٣) البيت بلا نسبة فى شرح ابن عقيل ص ٣٢٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢١٣.
(٤) شحب جسمه شحوبا : تغير وهزل. (الوسيط ـ شحب).
(٥) البيت بلا نسبة فى شرح ابن عقيل ص ٣٢٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٢ ، والكتاب ٢ / ١٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٤٧.