لم تطل إدارة القائممقام والمحاسب أكثر من شهرين ، فثارت الزعازع ، واضطرب الأمن .. ثم لما علم الوالي نامق باشا بالأمر عقد مجلسا من الملكيين والعسكريين ، فقرروا لزوم إصلاحهم بالقوة ورؤوس الحراب ، وقبل أن ينفضّ المجلس وأثناء المذاكرة فيما يجب اتباعه في حربهم وردت برقية من مقام السر عسكر توصي بلزوم إكمال كافة النواقص قبل الإقدام على الحرب ، وأن ينتظر الإشعار الآخر ، وأوصوا بالتأهب للأمر ..
ذلك ما حدا بالوالي أن يفسخ القرار ، ويعيد المشيخة كما كانت. نقل ذلك سليمان بك عن أمين أفندي كاتب العربية فيما لم يكن له علم به. ومحمد أمين هذا كان قد عهدت إليه أيضا مهمة (باب المشايخ) ، أو (باب العرب). ولذا سمي بالكهية أي قيل محمد أمين الكهية.
ومن ثم أعيدت المشيخة ، وأسندت إلى الشيخ فهد العلي الثامر السعدون في سنة ١٢٨٠ ه ـ ١٨٦٣ م بموجب شرطنامة كتبت باللغة العربية (١) .. وفهد هذا هو والد فخامة عبد المحسن السعدون. وسياسة الحكومة كانت مصروفة إلى تمكين النزاع بين أمراء المنتفق ، ولم تشأ أن تترك واحدا منهم بلا ضد أو رقيب ، وسليمان بك كان عضوا مهما في التدابير إلا أن سياسة الحكومة الخفية وتدابيرها الاحتياطية ومراعاتها الأوضاع التي هي أعرف بها .. أقوى بكثير مما يتصور.
وتفصيل الخبر أنه بعد عودة الأستاذ سليمان فائق محاسب المنتفق بين أنه يستطيع جلب ناصر باشا إلى بغداد ، فجاء به فعلا ، وقررت الحكومة اختزال محلين ، وإضافة ألف كيس لأجل أن تحيل المشيخة إليه .. ولكن الحكومة لم ترق لها أعماله ولا أمنت منه ، فلم تشأ أن تطلعه على ما ستقوم به ، وراعت الحزم والحيطة .. ولأجل إتمام مهمتها
__________________
(١) لغة العرب ج ٥ ص ٣٠ ورسالة المنتفق لسليمان فائق عندي مخطوطتها.