يطيعه من في العراق ، وقامت الحرب بين الطرفين على ساق ، إلى أن دخل الوزير بغداد. فنسب إليه (إلى أبي الثناء محمود الآلوسي) من حادثة الحصار ما نسب ، وشنّ عليه الأعداء إغارة البهتان والكذب حتى أغلظوا قلب الوزير عليه ، فضاقت عليه الأرض برحبها ، وظن أن لا ملجأ من الله إلا إليه. جاور مختفيا في محلة الشيخ عبد القادر الگيلاني ... ولم يبرح خائفا وجلا ، ولو رأى غير شيء ظنه رجلا ، إلى أن أقبل في هذه السنة من ناحية الشام الليث الهصور ، والشهم الغيور ، غرة جبهة الكرام ، وجمال محاسن الأيام ، الذي لم تسمح بمثل سماحته وشجاعته الأيام في جيل ، الجميل ابن الجميل ، عبد الغني أفندي جميل ، لا زالت سحب جوده منهلة على العفاة ، ومطارف فتاويه تسحب ذيول النسيان على قاضي القضاة ، فنصبه الوالي مفتي الحنفية ، وولاه أحكام الحنيفية ، فلم ير مزيلا لخوفه ووجله ، ومبلغا في خلاصه من تلك القضية غاية أمله ، مثل الانتماء إليه ، والإقامة في داره لديه ، فلما حلّ في جواره كسي حلة الأمان ، وكان آمنا من دخل دار أبي سفيان ، فصار عنده (أمين الفتوى) ، كما أمن في ذراه من البلوى.
وفي تلك الأثناء أنعم عليه الحضرة العلية ـ الوزير ـ توجيه تدريس (المدرسة القادرية) ، فلما جرى ما جرى من حضرة الموما إليه (عبد الغني جميل) مع الوزير الخطير (١) .. مما أوجبه محض الغيرة المحمدية ، والشهامة العمرية ، وقد شاع وذاع ، وملأ الأسماع والبقاع ، حتى انفصل بسببه عن منصب الإفتاء ، وخرج من بغداد ، وصار طريفه وتليده نهبا بيد الأجناد ، نسب إليه ـ إلى الآلوسي ـ ما هو أعظم من الأول ، وجفاه من الأصدقاء من كان يظنه السموأل ، إذ تهّور الوزير
__________________
(١) كان قيام عبد الغني جميل على الوزير في ٢٧ من ذي الحجة سنة ١٢٤٧ ه. مجموعة الآلوسي.