والملحوظ أن مجيء الوالي إلى البصرة كان قبل سحب يد الأستاذ سليمان فائق من البصرة (١).
بناء الناصرية
إن الخلاف بين أمراء المنتفق ، وتنازعهم على السلطة من الأسباب المهمة للقضاء على هذه الإمارة وتعد كافية لنجاح مشروع الدولة في الاستيلاء على هذا اللواء كما استولت على بابان وغيرها .. ولكن هناك عوائق حالت دون الإتمام وكلفت الحكومة كلفا عظيمة أدت إلى القسوة بالأهلين ومن أهمها تزييد بدلات الالتزام ، واقتطاع أقسام من أراضي المنتفق مع الاحتفاظ بهذه الزيادات ، فقد ولّدت ظلما ، وأنتجت ارتباكا ، ودعت إلى أن يهرب العدد الكبير من العشائر إلى أنحاء إيران. فكان ذلك التشوش مطلوبا منها ، وداعية الكره والحنق عليها ، وقتالها بتهالك زائد حبّا في الانتقام وأخذ الحيف ..
وقد مر أن ناصر باشا لم ير بدا من الإذعان لأمر الوالي مدحت باشا حذر أن يوافق سواه من مناوئيه ، وأراد أن لا تنزع السلطة منه ، ولا يضيع الفرصة وأن يجري مع المقادير .. فقبل أن ينفذ رغبة الوالي أسس بلدة الناصرية المسماة باسمه ، اختطها المهندس البلجيكي المسيو جول تللي فوضع الحجر الأساسي لدار حكومتها في سنة ١٢٨٦ ه ـ ١٨٦٩ م ، فوافق رغبة الوالي. حصل على مطلوبه دون استعمال قوة ، أو امتشاق حسام .. وفي الحقيقة هو الذي ألغى بحق مشيخة المنتفق بتأسيس بلدة صارت مركز اللواء وحصنا للدفاع والاحتماء بها .. فكانت مقدمة للاستيلاء النهائي على المنتفق وإلغاء إمارتهم .. وهذا هو طريق الإصلاح الملتمس ، فلم يعاكس بقوة ..
__________________
(١) تبصره عبرت ، والزوراء ، ورسالة المنتفق.