وأهل دائرته إلا أن هذا لا يعلم عن أحوال بغداد شيئا ، فلا يصلح للقيام بالمهمة ، فاختار ابن النائب كتخدا ـ في شعبان ـ لأنه كان مستكملا الصفات المطلوبة ، عارفا بالداخل والخارج ، وله المعلومات الوافية ، وفي أيام داود باشا كانت له المنزلة المقبولة رأى عيانا ما قام به.
بذل ما استطاع في إرضاء الوزير. وحصر به الأعمال كافة ، فأقلق راحة رجال الوزير كما تعقب المجرمين وأهل الشقاء فاضطرب الكل لما استولى عليهم من الخوف ، وحسبوا أن قد عاد زمن المماليك مرة أخرى. تألبوا عليه ، ولكن خدماته كانت مقبولة في نظر الوزير ، فلم يتمكنوا من تغييره عليه بسهولة ، وإذا عزل أيضا فلا يبعد أن يستعيد مكانته بعد قليل. فلا يوجد من يعدله في مقدرته. صاروا يخشون بطشه .. فاتفقوا أن يغروا الوزير بقتله ، فتم لهم الأمر ، واضطر أن يقتله.
وذلك أنه من حين صار كتخدا قرب إليه رجال المماليك فأحال إليهم المهمات ، جلب لجهته أعيان العراق وشيوخهم وأمراءهم وفي أيامه استعاد (جيش بغداد) (١). فأخذهم وصار شأنه كسائر الكهيات السابقين ، يسير بخدمته نحو ثلاثمائة أو أربعمائة من رجاله. فاتخذوا ذلك وسيلة لتنفيذ ما أضمروه من الوقيعة به .. فأفهموا الوزير بأن هذا قد أمّن الخارج ، ولم يبق له إلا الداخل ، وأن يستولي عليك وعلى من معك. نواياه ظاهرة من أعماله هذه .. وقالوا له (تغدّ به قبل أن يتعشّى بك). فتردد الوالي في بادئ الأمر ، ولكنه لما لم يزاول أمور السياسة بتدبير وحذق ظن أنه سوف يستقل بأعماله هذه ، وهكذا حذره القاضي تقي أفندي الحلبي ، وكان جريئا ، حديد اللسان .. ورأى من أهل دائرته
__________________
(١) الجيش العثماني هو (جيش بغداد). من الينكجرية الأهليين دون الذين يأتون من استنبول على حساب الدولة وإن كان زال عنهم اسم الينكجرية وصار يطلق عليهم الجيش الموظف إذ لم يكونوا من الجيش النظامي.