تعالى خالق لأكثر الأشياء (١) ، ومقدورات العباد بالنسبة إلى مقدوراته قليلة جدا ، وورود ذلك كثير في القرآن. قال تعالى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ.) و (أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)(٢) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة ، وهي أكثر من أن تحصى وتخصيص ذلك بدلالة العقل (٣). الثاني : أن هذا من إيراد المتشابه (٤) في القرآن ، وهو كثير نحو : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٥) والوجه في إيراد المتشابه الحث على النظر والزجر عن تتبع أدلة السمع فقط (٦) إذ هي محتملة للتأويل والزيادة في التكليف والثواب ،
__________________
(١) العبارة فيها نظر ، فالله خالق للأشياء جميعا ليس لأكثرها.
(٢) النمل ٢٧ / ٢٣ ، وتمامها : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ.)
(٣) والمعنى في الشاهدين أنها تدمر كل شيء يقع عليه التدمير فالحجارة والأشجار والجبال والأنهار أشياء ولكن لا يقع عليها التدمير وليست المقصودة به. وكذلك أوتيت من كل شيء مما يحتاجه الملك والعظمة ...
(٤) المتشابه : هو الذي استأثر الله عنده ولم يطلع عليه أحدا من خلقه ... وخاصة مما لا سبيل للعقل البشري الإحاطة به ومعرفته معرفة يقينية مثل البحث في الأسماء والصفات إذ لا يجوز أن تبنى على الظن بل تحتاج إلى اليقين ، واليقين إما بالمشاهد المحسوس أو بالنقل المتواتر وليس هناك طريق آخر لذلك وبالتالي لا يجوز الخوض وبناء العقيدة المتعلقة بالأسماء والصفات على خبر الآحاد لأنه يفيد الظن والعقيدة تحتاج إلى الدليل القطعي اليقيني ولا يجوز بناء العقيدة على الظن ... قال تعالى في سورة النساء : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ، ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) فالنصارى بنوا عقيدتهم في صلب عيسى على الظن وهذا ما أدى بهم إلى الكفر.
(٥) طه ٢٠ / ٥.
(٦) قوله يحتاج إلى تفصيل ، إذ الأدلة السمعية ، إما أن تكون قطعية كالقرآن والحديث المتواتر ، أو ظنية كخبر الآحاد ... فإذا ورد دليل سمعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة غير محتمل للتأويل أو محتمل نسلم به تسليما مطلقا كالآيات المتعلقة بالأسماء والصفات. أما إذا ورد ـ دليل قطعي الثبوت ظني الدلالة فلا يجوز بناء بحث الأسماء والصفات عليه. لأنه إذا صح الاحتمال سقط الاستدلال.