قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)(١) فإنك إذا رفعته اختل العموم وهو مراده ، وهو حيث يجعل خلقناه الخبر ، وبقدر متعلق به ، ويحتمل أن يكون خلقناه صفة للمبتدأ ، وهو كل شيء ، وبقدر الخبر ، فلا يفيد العموم ، ويعلق محذوف وليس ذلك مراد المصنف ، لأن الجبرية (٢) يضيفون الأفعال كلها إلى الله ، وأما إذا نصب تحتم العموم في المخلوقات أنها من الله تعالى. فقال المصنف : (٣) ما أجمعت القراء على النصب مع ضعفه إلا لغرض مهم ، وهو العموم في المخلوقات أنها من الله تعالى. قال الوالد جمال الإسلام : والجواب عما ذكره من وجهين ؛ الأول : إنا لا نسلم أن هذه الآية من هذا الباب ، بل انتصاب (كلّ شيء) على بدل الاشتمال من اسم (إنّ) وقد حكى هذا القول طاهر (٤).
الثاني : سلمنا أنه من هذا الباب لكن لا نسلم أنه عدل إلى النصب لإفادة العموم ، في أنه خلق كل شيء ، وإنما عدل إليه لأحد أمور ؛ [ظ ٤٧] أحدهما : أن اطلاق اسم الأكثر على الكل بمكان من الفصاحة ، لأن الله
__________________
(١) القمر ٥٤ / ٤٩ قال القرطبي : قراءة العامة (كل) بالنصب وقرأ أبو السمال كل بالرفع على الابتداء ، فمن نصب فبإضمار فعل وهو اختيار الكوفيين لأن إن تطلب الفعل فهي به أولى ، والنصب أدل على العموم) ينظر تفسير القرطبي ١٨٢ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣٠٠.
(٢) الجبرية فرقة إسلامية تقول بأن الإنسان مجبر على القيام بالأفعال دون اختيار فيه لأن الله خلقه وخلق علمه وهم يقولون إن الإنسان كالريشة في مهب الريح تميله كما تشاء وأن فعل العبد بمنزلة طوله ولونه ، وأصل قولهم الجهم بن صفوان أو جهم. والذين يقولون إن الإيمان من الله والكفر من الله والعبد لا خيرة له في ذلك ، ينظر شرح العقيدة الطحاوية ٢ / ٧٩٧.
(٣) ينظر شرح المصنف ٣٦ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦ وقراءة النصب هي المشهورة وقدروا خلقنا ينظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٩٨ ، والكشاف ٤ / ٤١ ، والرضي ١ / ٧٥.
(٤) ينظر شرح المقدمة المحسبة ٤٢٧.