أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وأنكر عن أسامة بن زيد حين قتل في بعض السرايا رجلا قال لا إله إلا الله حين حمل عليه ليطعنه فقال (هلا شققت عن قلبه) يعنى أنه محمول على حكم الظاهر دون عقد الضمير ولا سبيل لنا إلى العلم به* قال أبو بكر وقوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) يدل على أن الإيمان ليس هو الإقرار دون الإعتقاد لأن الله تعالى قد أخبر عن إقرارهم بالإيمان ونفى عنهم سمته بقوله وما هم بمؤمنين ويروى عن مجاهد أنه قال في أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين* والنفاق اسم شرعي جعله سمة لمن يظهر الإيمان ويسر الكفر خصوا بهذا الإسم للدلالة على معناه وحكمه وإن كانوا مشركين إذ كانوا مخالفين لسائر المبادين بالشرك في أحكامهم وأصله في اللغة من نافقاء اليربوع وهو الجحر الذي يخرج منه إذا طلب لأن له اجحرة (١) يدخل بعضها عند الطلب ثم يراوغ الذي يريد صيده فيخرج من جحر آخر قد أعده* وقوله تعالى (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) هو مجاز في اللغة لأن الخديعة في الأصل هي الإخفاء وكأن المنافق أخفى الإشراك وأظهر الإيمان على وجه الخداع والتمويه والغرور لمن يخادعه والله تعالى لا يخفى عليه شيء ولا يصح أن يخادع في الحقيقة وليس يخلو هؤلاء القوم الذين وصفهم الله تعالى بذلك من أحد وجهين إما أن يكونوا عارفين بالله تعالى قد علموا أنه لا يخدع بتساتر بشيء أو غير عارفين فذلك أبعد إذ لا يصح أن يقصده لذلك ولكنه أطلق ذلك عليهم لأنهم عملوا عمل المخادع ووبال الخداع راجع عليهم فكأنهم إنما يخادعون أنفسهم وقيل إن المراد يخادعون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحذف ذكر النبي عليه السلام كما قال (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) والمراد يؤذون أولياء الله وأى الوجهين كان فهو مجاز وليس بحقيقة ولا يجوز استعماله إلا في موضع يقوم الدليل عليه وإنما خادعوا رسول الله تقية لتزول عنهم أحكام سائر المشركين الذين أمر النبي عليه السلام والمؤمنون بقتلهم وجائز أن يكونوا أظهروا الإيمان للمؤمنين ليوالوهم كما يوالى المؤمنون بعضهم بعضا ويتواصلون فيما بينهم وجائز أن يكونوا يظهرون لهم الإيمان ليفشوا إليهم أسرارهم
__________________
(١) هكذا في النسخ التي بأيدينا وصوابه جحرة.