فينقلوا ذلك إلى أعدائهم وكذلك قول الله تعالى (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) مجاز وقد قيل فيه وجوه أحدها على جهة مقابلة الكلام بمثله وإن لم يكن في معناه كقوله تعالى (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) والثانية ليست بسيئة بل حسنة ولكنه لما قابل بها السيئة أجرى عليها اسمها وقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) والثاني ليس باعتداء وقوله تعالى (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) والأول ليس بعقاب وإنما هو على مقابلة اللفظ بمثله ومزاوجته له وتقول العرب الجزاء بالجزاء والأول ليس بجزاء ومنه قول الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
ومعلوم أنه لم يمتدح بالجهل ولكنه جرى على عادتهم في ازدواج الكلام ومقابلته وقيل إن ذلك أطلقه الله تعالى على التشبيه وهو أنه لما كان وبال الاستهزاء راجعا عليهم ولا حقا لهم كان كأنه استهزأ بهم وقيل لما كانوا قد أمهلوا في الدنيا ولم يعاجلوا بالعقوبة والقتل كسائر المشركين وأخر عقابهم فاغتروا بالإمهال كانوا كالمستهزئ بهم* ولما كانت أجرام المنافقين أعظم من أجرام سائر الكفار المبادين بالكفر لأنه جمعوا الاستهزاء والمخادعة بقوله (يُخادِعُونَ اللهَ) وقولهم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) وذلك زيادة في الكفر وكذلك أخبر الله تعالى أنهم (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ومع ما أخبر بذلك من عقابهم وما يستحقونه في الآخرة خالف بين أحكامهم في الدنيا وأحكام سائر المظهرين للشرك في رفع القتل عنهم بإظهارهم الإيمان وأجراهم مجرى المسلمين في التوارث وغيره ثبت أن عقوبات الدنيا ليست موضوعة على مقادير الإجرام وإنما هي على ما يعلم الله من المصالح فيها وعلى هذا أجرى الله تعالى أحكامه فأوجب رجم الزاني المحصن ولم يزل عنه الرجم بالتوبة ألا ترى إلى قوله عليه السلام في ما عز بعد رجمه وفي الغامدية بعد رجمها لقد تاب توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له والكفر أعظم من الزنا ولو كفر رجل ثم تاب قبلت توبته وقال تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) وحكم القاذف بالزنا بجلد ثمانين ولم يوجب على القاذف بالكفر الحد وهو أعظم من الزنا وأوجب على شارب الخمر الحد ولم يوجب على شارب الدم وآكل الميتة فثبت بذلك أن عقوبات الدنيا غير موضوعة على مقادير الأجرام ولأنه لما كان جائزا