الحرم دون محل الإحصار* ومن جهة النظر لما اتفقوا في جزاء الصيد أن محله الحرم وأنه لا يجزى في غيره وجب أن يكون كذلك حكم كل دم تعلق وجوبه بالإحرام والمعنى الجامع بينهما تعلق وجوبهما بالإحرام* فإن قيل قال الله تعالى (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) وذلك في شأن الحديبية وفيه دلالة على أن النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه نحروا هديهم في غير الحرم لو لا ذلك لكان بالغا محله* قيل له هذا من أدل شيء على أن محله الحرم لأنه لو كان موضع الإحصار هو الحل محلا للهدى لما قال (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) فلما أخبر عن منعهم الهدى عن بلوغ محله دل ذلك على أن الحل ليس بمحل له وهذا يصلح أن يكون ابتداء دليل في المسألة* فإن قيل فإن لم يكن النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ذبحوا الهدى في الحل فما معنى قوله (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) قيل له لما حصل أدنى منع جاز أن يقال أنهم منعوا وليس يقتضى ذلك أن يكون أبدا ممنوعا ألا ترى أن رجلا لو منع رجلا حقه جاز أن يقال منعه حقه كما يقال حبسه ولا يقتضى ذلك أن يكون أبدا محبوسا فلما كان المشركون منعوا الهدى بديا من الوصول إلى الحرم جاز إطلاق الاسم عليهم بأنهم منعوا الهدى عن بلوغ محله وإن أطلقوا ألا ترى أنه قد وصف المشركين بصد المسلمين عن المسجد الحرام وإن كانوا قد أطلقوا لهم بعد ذلك الوصول إليه في العام القابل وقال الله عز وجل (قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) وإنما منعوه في وقت وأطلقوه في وقت آخر فكذلك منعوا الهدى بديا ثم لما وقع الصلح بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبينهم أطلقوه حتى ذبحه في الحرم وقيل أن النبي صلىاللهعليهوسلم ساق البدن ليذبحها بعد الطواف بالبيت فلما منعوه من ذلك قال الله تعالى (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) لقصوره عن الوقت المقصود فيه ذبحه ويحتمل أن يريد به المحل المستحب فيه الذبح وهو عند المروة أو بمنى فلما منع ذلك أطلق ما فيه ما وصفت* وقد ذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم وأن مضرب النبي صلىاللهعليهوسلم كان في الحل ومصلاه كان في الحرم فإذا أمكنه أن يصلى في الحرم فلا محالة قد كان الذبح ممكنا فيه وقد روى أن ناجية بن جندب الأسلمى قال للنبي صلىاللهعليهوسلم ابعث معى الهدى حتى آخذ به في الشعاب والأودية فأذبحها بمكة ففعل وجائز أن يكون بعث معه بعضه ونحر هو بعضه في الحرم والله أعلم.