قَبْلِكُمْ) إنما أراد به اللاتي أسلمن من أهل الكتاب كقوله تعالى (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) وقوله (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) قيل له هذا خلف من القول دال على غباوة قائله والمحتج به وذلك من وجهين أحدهما أن هذا الاسم إذا أطلق فإنما يتناول الكفار منهم كقوله (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) وقوله (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) وما جرى مجرى ذلك من الألفاظ المطلقة فإنما يتناول اليهود والنصارى ولا يعقل به من كان من أهل الكتاب فأسلم إلا بتقييد ذكر الإيمان ألا ترى أن الله تعالى لما أراد به من أسلم منهم ذكر الإسلام مع ذكره أنهم من أهل الكتاب فقال (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) والوجه الآخر أنه ذكر في الآية المؤمنات وقد انتظم ذكر المؤمنات اللاتي كن من أهل الكتاب فأسلمن ومن كن مؤمنات في الأصل لأنه قال (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فكيف يجوز أن يكون مراده بالمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من المؤمنات المبدوء بذكرهن* وربما احتج بعض القائلين بهذه المقالة بما روى عن على بن أبى طلحة قال أراد كعب بن مالك أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنهاه وقال إنها لا تحصنك قال فظاهر النهى يقتضى الفساد فيقال إن هذا حديث مقطوع من هذا الطريق ولا يجوز الاعتراض بمثله على ظاهر القرآن في إيجاب نسخه ولا تخصيصه وإن ثبت فجائز أن يكون على وجه الكراهية كما روى عن عمر من كراهته لحذيفة تزويج اليهودية لا على وجه التحريم ويدل عليه قوله إنها لا تحصنك ونفى التحصين غير موجب لفساد النكاح لأن الصغيرة لا تحصنه وكذلك الأمة ويجوز نكاحهما وقد اختلف في تزويج الكتابية الحربية فحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر ابن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال لا تحل نساء أهل الكتاب إذا كانوا حربا قال وتلا هذه الآية (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ـ إلى قوله ـ وَهُمْ صاغِرُونَ) قال الحكم فحدثت به إبراهيم فأعجبه قال أبو بكر يجوز أن يكون ابن عباس رأى ذلك على وجه الكراهية وأصحابنا يكرهونه من غير تحريم وقد روى عن على أنه كره نساء أهل
«٢ ـ أحكام في»