بعث فيهم إبراهيم عليه السّلام كانوا صابئين عبدة أوثان على أسماء الكواكب السبعة وقد حكى الله عنهم في غير هذا الموضع أنهم كانوا يعبدون الأوثان ولم يكونوا يقرون بالله تعالى وكانوا يزعمون حوادث العالم كلها في حركات الكواكب السبعة وأعظمها عندهم الشمس ويسمونها وسائر الكواكب آلهة والشمس عندهم هو الإله الأعظم الذي ليس فوقه إله وكانوا لا يعترفون بالباري جل وعز وهم لا يختلفون وسائر من يعرف مسير الكواكب أن لها ولسائر الكواكب حركتين متضادتين إحداهما من المغرب إلى المشرق وهي حركتها التي تختص بها لنفسها والأخرى تحريك الفلك لها من المشرق إلى المغرب وبهذه الحركة تدور علينا كل يوم وليلة دورة وهذا أمر مقرر عند من يعرف مسيرها فقال له إبراهيم عليه السّلام إنك تعترف أن الشمس التي تعبدها وتسميها إلها لها حركة قسر ليس هي حركة نفسها بل هي بتحريك غيرها لها يحركها من المشرق إلى المغرب والذي أدعوك إلى عبادته هو فاعل هذه الحركة في الشمس ولو كانت إلها لما كانت مقسورة ولا مجبرة فلم يمكنه عند ذلك دفع هذا الحجاج بشبهة ولا معارضة إلا قوله (حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) وهاتان الحركتان المتضادتان للشمس ولسائر الكواكب لا توجدان لها في حال واحدة لاستحالة وجود ذلك في جسم واحد في وقت واحد ولكنها لا بد من أن تتخلل إحداهما سكون فتوجد الحركة الأخرى في وقت لا توجد فيه الأولى* قال أبو بكر فإن قيل كيف ساغ لإبراهيم عليه السّلام الانتقال عن الحجاج الأول إلى غيره قيل له لم ينتقل عنه بل كان ثابتا عليه وإنما أردفه بحجاج آخر كما أقام الله الدلائل على توحيده من عدة وجوه وكل ما في السموات والأرض دلائل عليه وأيد نبيه صلّى الله عليه وسلّم بضروب من المعجزات كل واحدة منها لو انفردت لكانت كافية مغنية وقد حاجهم إبراهيم عليه السّلام بغير ذلك من الحجاج في قوله تعالى (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) روى في التفسير أنه أراد تقرير قومه على صحة استدلاله وبطلان قولهم فقال (هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) وكان ذلك في ليلة يجتمعون فيها في هياكلهم وعند أصنامهم عيدا لهم فقررهم ليلا على أمر الكواكب عند ظهوره وأفوله وحركته وانتقاله وأنه لا يجوز أن يكون مثله إلها لما ظهرت فيه من آيات الحدث ثم كذلك في القمر ثم لما أصبح قررهم على مثله في