قال الله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) فأخبر بصحة نكاحهما مع وجود الكفر منهما فثبت بذلك أن الكفر ليس بعلة موجبة لتحريم النكاح وإن كان الله تعالى قد قال في سياق تحريم المشركات (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) فجعله علما لبطلان نكاحهن وما كان كذلك من المعاني التي تجرى مجرى العلل الشرعية فليس فيه تأكيد فيما يتعلق به الحكم من الاسم فيجوز تخصيصه كتخصيص الاسم وإذا كان قوله (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يجوز به تخصيص التحريم الذي علق بالاسم جاز أيضا تخصيص الحكم المنصوب على المعنى الذي أجرى مجرى العلل الشرعية ونظير ذلك قوله (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) فذكر ما يحدث عن شرب الخمر من هذه الأمور المحظورة وأجراها مجرى العلة وليس بواجب إجراؤها في معلولاتها لأنه لو كان كذلك لوجب أن يحرم سائر البياعات والمناكحات وعقود المداينات لإرادة الشيطان إيقاع العداوة والبغضاء بيننا في سائرها وأن يصدنا بها عن ذكر الله فلما لم يجب اعتبار المعنى في سائر ما وجد فيه بل كان مقصور الحكم على المذكور دون غيره كان كذلك حكم سائر العلل الشرعية المنصوص عليها منها والمقتضية والمستدل عليها وهذا مما يستدل به على تخصيص العلل الشرعية فوجب بما وصفنا أن يكون حكم التحريم مقصورا فيما وصفنا على المشركات منهن دون غيرهن ويكون ذكر دعائهم إيانا إلى النار تأكيدا للحظر في المشركات غير متعد به إلى سواهن لأن الشرك والدعاء إلى النار هما علما تحريم النكاح وذلك غير موجود في الكتابيات وقد قيل إن ذلك في مشركي العرب المحاربين كانوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين فنهوا عن نكاحهن لئلا يمكن بهم إلى مودة أهاليهن من المشركين فيؤدى ذلك إلى التقصير منهم في قتالهم دون أهل الذمة الموادين الذين أمرنا بترك قتالهم إلا أنه إن كان كذلك فهو يوجب تحريم نكاح الكتابيات الحربيات لوجود هذا المعنى ولا نجد بدا من الرجوع إلى حكم معلول هذه العلة بما قدمنا وقوله تعالى (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) يدل على جواز نكاح الأمة مع وجود الطول إلى الحرة لأن الله تعالى أمر المؤمنين بتزويج الأمة المؤمنة بدلا من الحرة المشركة التي تعجبهم ويجدون الطول إليها وواجد الطول إلى الحرة