فلم يعلمنا حكمه في الآخرة ومن جهة أخرى أنه لو كان هذا مرادا لم ينتف به ما ذكرنا فيكون على الأمرين جميعا لاحتماله لهما فيغفر الله ذنوبه ويكون له المقبوض من ذلك قبل إسلامه وذلك يدل على أن بياعات أهل الحرب كلها ماضية إذا أسلموا بعد التقابض فيها لقوله تعالى (فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) قوله عز وجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) قال أبو بكر يحتمل ذلك معنيين أحدهما إن لم تقبلوا أمر الله تعالى ولم تنقادوا له والثاني إن لم تذروا ما بقي من الربا بعد نزول الأمر بتركه فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن اعتقدوا تحريمه وقد روى عن ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس فيمن أربى أن الإمام يستتيبه فإن تاب وإلا قتله وهذا محمول على أن يفعله مستحلا له لأنه لا خلاف بين أهل العلم أنه ليس بكافر إذا اعتقد تحريمه* وقوله تعالى (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) لا يوجب إكفارهم لأن ذلك قد يطلق على ما دون الكفر من المعاصي قال زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رأى معاذا يبكى فقال ما يبكيك فقال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول اليسير من الرياء شرك ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة فأطلق اسم المحاربة عليه وإن لم يكفر وروى أسباط عن السدى عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعلى وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم أنا حرب لمن حاربتم سلم لمن سالمتم وقال تعالى (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) والفقهاء متفقون على أن ذلك حكم جار في أهل الملة وأن هذه السمة تلحقهم بإظهارهم قطع الطريق وقد دل على أنه جائز إطلاق اسم المحاربة لله ورسوله على من عظمت معصيته وفعلها مجاهرا بها وإن كانت دون الكفر وقوله تعالى (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أخبار منه بعظم معصية وأنه يستحق بها المحاربة عليها وإن لم يكن كافرا وكان ممتنعا على الإمام فإن لم يكن ممتنعا عاقبة الإمام بمقدار ما يستحقه من التعزير والردع وكذلك ينبغي أن يكون حكم سائر المعاصي التي أوعد الله عليها العقاب إذا أصر الإنسان عليها وجاهر بها وإن كان ممتنعا حورب عليها هو ومتبعوه وقوتلوا حتى ينتهوا وإن كانوا غير ممتنعين عاقبهم الإمام بمقدار ما يرى من العقوبة وكذلك حكم من يأخذ أموال الناس من المتسلطين الظلمة وآخذي الضرائب واجب على كل المسلمين قتالهم وقتلهم إذا كانوا