كان كقوله من رجال المؤمنين فاقتضى ذاك كون الإيمان شرطا في الشهادة على المسلمين والمعنى الآخر الحرية وذلك لما في فحوى الخطاب من الدلالة من وجهين أحدهما قوله تعالى (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) وذلك في الأحرار دون العبيد والدليل عليه أن العبد لا يملك عقود المداينات وإذا أقر بشيء لم يجز إقراره إلا بإذن مولاه والخطاب إنما توجه إلى من يملك ذلك على الإطلاق من غير إذن الغير فدل ذلك على أن من شرط هذه الشهادة الحرية والمعنى الآخر من دلالة الخطاب قوله تعالى (مِنْ رِجالِكُمْ) فظاهر هذا اللفظ يقتضى الأحرار كقوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) يعنى الأحرار ألا ترى أنه عطف عليه قوله تعالى (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) فلم يدخل العبيد في قوله تعالى (مِنْكُمْ) وفي ذلك دليل على أن من شرط هذه الشهادة الإسلام والحرية جميعا وأن شهادة العبد غير جائزة لأن أوامر الله تعالى على الوجوب وقد أمر باستشهاد الأحرار فلا يجوز غيرهم* وقد روى عن مجاهد في قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا * شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) قال الأحرار* فإن قيل إن ما ذكرت إنما يدل على أن العبد غير* داخل في الآية ولا دلالة فيها على بطلان شهادته* قيل له لما ثبت بفحوى خطاب الآية أن المراد بها الأحرار كان قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) أمرا مقتضيا للإيجاب وكان بمنزلة قوله تعالى واستشهدوا رجلين من الأحرار فغير جائز لأحد إسقاط شرط الحرية لأنه لو جاز ذلك لجاز إسقاط العدد وفي ذلك دليل على أن الآية قد تضمنت بطلان شهادة العبيد واختلف أهل العلم في شهادة العبيد فروى قتادة عن الحسن عن على قال شهادة الصبى على الصبى والعبد على العبد جائزة وحدثنا عبد الرحمن بن سيما قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبى قال حدثنا عبد الرحمن بن همام قال سمعت قتادة يحدث أن عليا رضى الله عنه كان (١) يستثبت الصبيان في الشهادة وهذا يوهن الحديث الأول وروى حفص بن غياث عن المختار بن فلفل عن أنس قال ما أعلم أحدا رد شهادة العبد وقال عثمان البتى تجوز شهادة العبد لغير سيده وذكر أن ابن شبرمة كان يراها جائزة يأثر ذلك عن شريح وكان ابن أبى ليلى لا يقبل شهادة العبيد وظهرت الخوارج على الكوفة
__________________
(١) قوله (يستثبت الصبيان) أى يسألهم ويستعلم منهم فليس المراد استشهادهم ولذلك قال المصنف وهذا يوهن الحديث الأول.