حاكما حكم بشهادة عبد ثم رفع إلى أبطلت حكمه لأن ذلك مما أجمع الفقهاء على بطلانه وقد اختلف الفقهاء في شهادة الصبيان فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر لا تجوز شهادة الصبيان في شيء وهو قول ابن شبرمة والثوري والشافعى وقال ابن أبى ليلى تجوز شهادة بعضهم على بعض وقال مالك تجوز شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح ولا تجوز على غيرهم وإنما تجوز بينهم في الجراح وحدها قبل أن يتفرقوا ويجيئوا ويعلموا فإن افترقوا فلا شهادة لهم إلا أن يكونوا قد أشهدوا على شهادتهم قبل أن يتفرقوا وإنما تجوز شهادة الأحرار الذكور منهم ولا تجوز شهادة الجواري من الصبيان والأحرار قال أبو بكر روى عن ابن عباس وعثمان وابن الزبير إبطال شهادة الصبيان وروى عن على إبطال شهادة بعضهم على بعض وعن عطاء مثله وروى عبد الله بن حبيب بن أبى ثابت قال قيل للشعبى إن إياس بن معاوية لا يرى بشهادة الصبيان بأسا فقال الشعبي حدثني مسروق إنه كان عند على كرم الله وجهه إذا جاءه خمسة غلمة فقالوا كنا ستة نتغاط في الماء فغرق منا غلام فشهد الثلاثة على الإثنين أنهما غرقاه وشهد الاثنان أن الثلاثة غرقوه فجعل على الإثنين ثلاثة أخماس الدية وعلى الثلاثة خمسي الدية إلا أن عبد الله بن حبيب غير مقبول الحديث عند أهل العلم ومع ذلك فإن معنى الحديث مستحيل لا يصدق مثله عن على رضى الله عنه لأن أولياء الغريق إن ادعوا على أحد الفريقين فقد أكذبوهم في شهادتهم على غيرهم وإن ادعوا عليهم كلهم فهم يكذبون الفريقين جميعا فهذا غير ثابت عن على كرم الله وجهه ومما يدل على بطلان شهادة الصبيان قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وذلك خطاب للرجال البالغين لأن الصبيان لا يملكون عقود المداينات وكذلك قوله تعالى (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) لم يدخل فيه الصبى لأن إقراره لا يجوز وكذلك قوله (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) لا يصح أن يكون خطابا للصبي لأنه ليس من أهل التكليف فيلحقه الوعيد ثم قوله (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) وليس الصبيان من رجالنا ولما كان ابتداء الخطاب بذكر البالغين كان قوله (مِنْ رِجالِكُمْ) عائدا عليهم ثم قوله (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) يمنع أيضا جواز شهادة الصبى وكذلك قوله (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) هو نهى وللصبي أن يأبى من إقامة الشهادة وليس للمدعى إحضاره لها ثم قوله (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ
«١٥ ـ أحكام في»