مخالفة الكتاب كما لو أجاز مجيز أن يكون حد القذف سبعين أو حد الزنا تسعين كان مخالفا للآية وأيضا قد انتظمت الآية شيئين من أمر الشهود أحدهما العدد والآخر الصفة وهي أن يكونوا أحرارا مرضيين لقوله تعالى (مِنْ رِجالِكُمْ) وقوله تعالى (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) فلما لم يجز إسقاط الصفة المشروطة لهم والاقتصار على دونها لم يجز إسقاط العدد إذ كانت الآية مقتضية لاستيفاء الأمرين في تنفيذ الحكم بها وهو العدد والعدالة والرضا فغير جائز إسقاط واحد منهما والعدد أولى بالاعتبار من العدالة والرضا لأن العدد معلوم من جهة اليقين والعدالة إنما نثبتها من طريق الظاهر لا من طريق الحقيقة فلما لم يجز إسقاط العدالة المشروطة من طريق الظاهر لم يجز إسقاط العدد المعلوم من جهة الحقيقة واليقين* وأيضا فلما أراد الله الاحتياط في إجازة شهادة النساء أوجب شهادة المرأتين وقال (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ثم قال (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) فنفى بذلك أسباب التهمة والريب والنسيان وفي مضمون ذلك ما ينفى قبول يمين الطالب والحكم له بشاهد واحد لما فيه من الحكم بغير ما أمر به من الاحتياط والاستظهار ونفى الريبة والشك وفي قبول يمينه أعظم الريب والشك وأكبر التهمة وذلك خلاف مقتضى الآية ويدل على بطلان الشاهد واليمين قول الله تعالى (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) وقد علمنا أن الشاهد الواحد غير مقبول ولا مراد بالآية ويمين الطالب لا يجوز أن يقع عليها إثم الشاهد ولا يجوز أن يكون رضى فيما يدعيه لنفسه فالحكم بشاهد واحد ويمينه مخالف للآية من هذه الوجوه ورافع لما قصد به من أمر الشهادات من الاحتياط والوثيقة على ما بين الله في هذه الآية وقصد به من المعاني المقصودة بها ويدل عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه وفرق بين اليمين والبينة فغير جائز أن تكون اليمين بينة لأنه لو جاز أن تسمى اليمين بينة لكان بمنزلة قول القائل البينة على المدعى والبينة على المدعى عليه وقوله البينة اسم للجنس فاستوعب ما تحتها فما من بينة إلا وهي التي على المدعى فإذا لا يجوز أن يكون عليه اليمين وأيضا لما كانت البينة لفظا مجملا قد يقع على معان مختلفة واتفقوا أن الشاهدين والشاهد والمرأتين مرادون بهذا الخبر وأن الاسم يقع عليهم صار كقوله الشاهدان أو الشاهد والمرأتان على المدعى فغير جائز الاقتصار على ما دونهم * وهذا الخبر وإن كان وروده من طريق الآحاد فإن