وأيضا فإن القضية المروية في الشاهد واليمين ليس فيها أنها كانت في الأموال أو غيرها وقد اتفق الفقهاء على بطلانه في غير الأموال فكذلك في الأموال* فإن قيل قال عمرو ابن دينار ومذهبه وليس فيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قضى بها في الأموال فإذا جاز أن لا يقضى في غير الأموال وإن كانت القضية مبهمة ليس فيها بيان ذكر الأموال ولا غيرها فكذلك لا يقضى به في الأموال إذا لم يبين كيفيتها وليس القضاء بها في الأموال بأولى منه في غيرها فإن قيل إنما يقضى به فيما تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وهو الأموال فتقوم يمين الطالب مقام شاهد واحد مع شهادة الآخر* قيل له هذه دعوى لا دلالة عليها ومع ذلك فكيف صارت يمين الطالب قائمة مقام شاهد آخر دون أن تقوم مقام امرأة ويقال له أرأيت لو كان المدعى امرأة هل تقيم يمينها مقام شهادة رجل فإن قال نعم قيل له فقد صارت اليمين آكد من الشهادة لأنك لا تقبل شهادة امرأة واحدة في الحقوق وقبلت يمينها وأقمتها مقام شهادة رجل واحد والله تعالى إنما أمرنا بقبول من نرضى من الشهداء وإن كانت هذه شاهدة وقامت يمينها مقام شهادة رجل فقد خالفت القرآن لأن أحدا لا يكون مرضيا فيما يدعيه لنفسه ومما يدل على تناقض قولهم أنه لا خلاف أن شهادة الكافر غير مقبولة على المسلم في عقود المداينات وكذلك شهادة الفاسق غير مقبولة ثم إن كان المدعى كافرا أو فاسقا وشهد منه شاهد واحد استحلفوه واستحق ما يدعيه بيمينه وهو لو شهد مثل هذه الشهادة لغيره وحلف عليها خمسين يمينا لم تقبل شهادته ولا أيمانه وإذا ادعى لنفسه وحلف استحق ما ادعى بقوله مع أنه غير مرضى ولا مأمون لا في شهادته ولا في أيمانه وفي ذلك دليل على بطلان قولهم وتناقض مذهبهم.
قوله عز وجل (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) روى عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد والشعبي وطاوس إذا ما دعوا لإقامتها وعن قتادة والربيع بن أنس إذا دعوا لإثبات الشهادة في الكتب وقال ابن عباس والحسن هو على الأمرين جميعا من إثباتها في الكتاب وإقامتها بعد علم الحاكم* قال أبو بكر الظاهر أنه عليهما جميعا لعموم اللفظ هو في الابتداء على إثبات الشهادة كأنه قال إذا دعوا لإثبات شهاداتهم في الكتاب ولا خلاف أنه ليس على الشهود الحضور عند المتعاقدين وإنما على المتعاقدين أن يحضرا عند الشهود فإذا حضرا هم وسألاهم إثبات شهاداتهم في الكتاب فهذه الحال هي المرادة بقوله