مجاهد أطيلى القيام في الصلاة وأصل القنوت الدوام على الشيء وأشبه هذه الوجوه بالحال الأمر بإطالة القيام في الصلاة وروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال أفضل الصلاة طول القنوت يعنى طول القيام ويدل عليه قوله عطفا على ذلك واسجدي واركعى فأمرت بالقيام والركوع والسجود وهي أركان الصلاة ولذلك لم يكن هذا موضع سجدة عند سائر أهل العلم كسائر مواضع السجود لأجل ذكر السجود فيها لأنه قد ذكر مع السجود القيام والركوع فكان أمرا بالصلاة وفي هذا دلالة على أن الواو لا توجب الترتيب لأن الركوع مقدم على السجود في المعنى وقدم السجود هاهنا في اللفظ* قوله تعالى (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) قال أبو بكر حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع الجرجانى قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) قال تساهموا على مريم أيهم يكفلها فقرعهم زكريا ويقال إن الأقلام هاهنا القداح التي يتساهم عليها وأنهم ألقوها في جرية الماء فاستقبل قلم زكريا عليه السّلام جرية الماء مصعدا وانحدرت أقلام الآخرين معجزة لزكريا عليه السّلام فقرعهم يروى ذلك عن الربيع بن أنس ففي هذا التأويل أنهم تساهموا عليها حرصا على كفالتها* ومن الناس من يقول إنهم تدافعوا كفالتها لشدة الأزمة والقحط في زمانها حتى وفق لها زكريا خير الكفلاء والتأويل الأول أصح لأن الله تعالى قد أخبر أنه كفلها زكريا وهذا يدل على أنه كان حريصا على كفالتها* ومن الناس من يحتج بذلك على جواز القرعة في العبيد يعتقهم في مرضه ثم يموت ولا مال له غيرهم وليس هذا من عتق العبيد في شيء لأن الرضا بكفالة الواحد منهم بعينه جائز في مثله ولا يجوز التراضي على استرقاق من حصلت له الحرية وقد كان عتق الميت نافذا في الجميع فلا يجوز نقله بالقرعة عن أحد منهم إلى غيره كما لا يجوز التراضي على نقل الحرية عمن وقعت عليه* وإلقاء الأقلام يشبه القرعة في القسمة وفي تقديم الخصوم إلى الحاكم وهو نظير ما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه وذلك لأن التراضي على ما خرجت به القرعة جائز من غير قرعة وكذلك حكم كفالة مريم عليها السّلام وغير جائز وقوع التراضي على نقل الحرية عمن وقعت عليه* قوله تعالى (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ) البشارة هي خبر على وصف وهو في الأصل لما يسر لظهور السرور في بشرة وجهه إذا